قداسة البابا فرنسيس
بغداد - سوف يقوم قداسة البابا كما تعلمون بزيارة إلى العراق في الفترة الممتدة من 5 إلى 8 آذار/مارس، وسوف يتوجّه خلال فترة إقامته في البلد إلى الموصل.
تعكف اليونسكو منذ شهر أيلول/سبتمبر من عام 2018، على الاضطلاع بمهام ميدانيّة في الموصل بهدف ترميم التراث المعماري ودعم النسيج المجتمعي المتنوّع، في كنف واحدة من أكثر مدن الشرق الأوسط تعددية وتسامحاً في التاريخ. وتولي مبادرة "إحياء روح الموصل" مكانة مركزيّة لتعزيز الحوار بين الأديان وتوطيد التماسك الاجتماعي، وهي ذات القيم المتأصلة في صُلب الرسالة التي ينادي بها قداسة البابا فرنسيس.
وقبل عدّة أسابيع، أعدّت قناة "بي بي سي" تقريراً مصوراً عن المشروع الذي ننفذه في الموصل، ويمكنكم الاطلاع عليه عبر الرابط التالي:
https://www.bbc.com/news/av/world-middle-east-55941929
ونرفق لكم طيه وثيقة إحاطة عن العمل الذي نضطلع به في الموصل، ووثيقة موجزة عن أبرز الحقائق والأرقام كمرجع يسهل الوصول إليه.
أ- السياق
كانت مدينة الموصل العراقية حلقة وصلٍ تجارية وفكرية وثقافية لآلاف السنين. وتتأصل هذه المكانة في تسمية المدينة باللغة العربية، التي تجسّد فكرة الحوار والتنوع.
ويُعتبر هذا التنوّع، وهو محور أساسي لهوية الموصل، جزءاً لا يتجزأ من نسيج المدينة بحد ذاتها، وهو يتجلى بوجه خاص في تراث المدينة المعماري، أي في أضرحتها وكنائسها ومساجدها ومدارسها ومدافنها.
وكانت مدينة نينوى في العصور القديمة مهد التعايش بين الآشوريين والرومان واليهود والفرس على الضفة الشرقية للنهر. وفي وقت لاحق، اتّخذ المسيحيون والمسلمون والعثمانيون والعرب من الضفة الغربية في المدينة القديمة مركزاً لتجارتهم. وحتى يومنا هذا، لا تنفك المدينة تزخر بالتنوع الثقافي في كنف طيف من المجتمعات المحلية المتعايشة. وعلينا أن نعكف على حماية التراث الحضاري النفيس الذي تحتضنه هذه المدينة، التي ازدهرت، باعتبارها أرضاً للتبادلات، بفضل موجات المسافرين والتجار التي تعاقبت عليها عبر العصور، وساهمت أيضاً في صقل هويّتها الراسخة.
وعندما وقعت الموصل تحت نيران الاحتلال في شهر تموز/يوليو من عام 2014، مُزّق نسيج المدينة الحضري التاريخي المتنوع إرباً. ودمّر المتطرفون العنيفون خلال 36 شهراً ما يناهز 80٪ من المشهد الحضري الذي يحتضن طيفاً من المباني، من بينها جامع النوري والمئذنة الحدباء وكنسيتا الساعة والطاهرة.
ويتمثل الهدف من مبادرة "إحياء روح الموصل" التابعة لليونسكو، في إحياء كل ما أحاله تنظيم داعش أنقاضاً، بدءاً من الأضرار المادية وانتهاء بالجراح العميقة التي تُثخن قلوب أهالي الموصل وأذهانهم.
¬ تضم مجموعة كبار المانحين لمبادرة الموصل كلاً من: الإمارات العربية المتحدة (50,4 مليون دولار أمريكي) والاتحاد الأوروبي (38,5 مليون دولار أمريكي) وكندا وكرواتيا وحكومة الفلاندرز، وألمانيا وإيطاليا واليابان وقطر (من خلال مؤسسة "التعليم فوق الجميع" التابعة لها)، بالإضافة إلى صندوق اليونسكو لحماية التراث في حالات الطوارئ.
ب- أولويات اليونسكو:
تركز المبادرة على الأولويات الثلاثة التالية:
1- إعادة تأهيل التراث وإعادة إعماره
2- إنعاش الحياة الثقافية
3- دعم التعليم
1- إعادة تأهيل التراث وإعادة إعماره
تعمل اليونسكو على إعادة إعمار تراث منقطع النظير بعد الدمار الذي لحق به جرّاء سنوات من الحرب. ونعمل على إعادة ترميم مئذنة جامع النوري الحدباء، فضلاً عن كنيستي الساعة والطاهرة في المدينة القديمة، بغية صون هوية الموصل المتعددة الأديان.
أُبرم الاتفاق المتعلق بالمشروع المموَّل من الإمارات العربية المتحدة والرامي إلى إعادة تأهيل وإعمار المعالم التاريخية في مدينة الموصل في شهر نيسان/أبريل من عام 2018 في بغداد، بين كل من اليونسكو والإمارات العربية المتحدة والحكومة العراقية، بغية إعادة بناء جامع النوري والمئذنة الحدباء. وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، وفي أعقاب زيارة البابا إلى الإمارات العربية المتحدة، أُدرج ترميم كنيستي الطاهرة والساعة أيضاً في المشروع.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2020، أجرت اليونسكو والمكتب الاستشاري الإحصائي في جامعة الموصل، دراسة استقصائية استهدفت أهالي الموصل وتمحورت حول إعادة بناء المئذنة الحدباء ومصلى جامع النوري، اللذين دُمّرا خلال النزاع في عام 2017. وسُئل المشاركون في الاستقصاء عن الكيفية التي يرغبون بها في إعادة بناء المئذنة الحدباء ومصلى جامع النوري. وأظهرت النتائج أن 94٪ من المشاركين في الاستقصاء يرغبون في إعادة بناء المئذنة في الموقع نفسه الذي كانت فيه قبل تدميرها في عام 2017، وتزيينها بالزخارف القديمة نفسها. إضافة إلى ذلك، أعرب 70٪ من أهل الموصل عن تفضيلهم رؤية مصلى الجامع النوري كما كان في عام 2017 قبل تدميره، ولكن مع بعض التحسينات، بشرط الحفاظ على جوهره وقياساته الرئيسية.
عملنا الميداني:
¬ إعادة تأهيل المعالم الأثرية والنسيج الحضري التاريخي في مدينة الموصل القديمة:
- انتهت المرحلة الأولى من عملية إعادة تأهيل وإعمار جامع النوري والمئذنة (التشخيص والتوثيق وإزالة الألغام وتأمين وتثبيت الأجزاء المتبقية من جامع النوري ومئذنته عقب الدمار الذي لحق بهما).
- انتهت أيضاً عملية إزالة الألغام وتأمين وتثبيت هياكل كنيستي الساعة والطاهرة وجامع الآغوات. ومع إتمام هذه المرحلة، باتت المواقع جاهزة لإعادة البناء.
- سوف تشمل المرحلة الثانية من الترميم في المشروع ما يلي:
- الحفاظ على المئذنة الحدباء وإعادة بنائها.
- الحفاظ على جامع النوري والمباني المجاورة له وإعادة بنائها.
- إنشاء متحف ونصب تذكاري.
- أعمال تدعيم كنيسة الساعة.
- أعمال ترميم وإعادة تأهيل كنيسة الطاهرة والمباني المجاورة لها.
¬ في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، استهلّت اليونسكو مسابقة معمارية دولية لاختيار تصميم جامع النوري والمباني المجاورة له. ومن المزمع اختيار التصميم الفائز في ربيع عام 2021.
- انتهت عملية إعادة تأهيل النسيج الحضري التاريخي، وإزالة الأنقاض والألغام من 49 منزلاً تاريخياً. ويجري العمل حالياً على إعادة إعمار 43 منزلاً منها، فضلاً عن البنية التحتية [1]المحيطة بها في مدينة الموصل القديمة. ومن المزمع استهلال عملية إعادة إعمار 50 منزلاً آخر في صيف عام 2021.
¬ تعود ملكية المنازل التي تعمل اليونسكو حالياً على إعادة بنائها إلى الأوقاف السنية والمسيحية، ويقطنها مواطنون مسلمون ومسيحيون.
- تقييم حالة 193 منزلاً إضافياً كجزء من ممر التراث الواصل بين موقع جامع النوري وضفاف نهر دجلة، من أجل إزالة الأنقاض وتطهير المنطقة من الألغام. وتتوقف إعادة بناء هذه المنازل على توفر تمويل جديد.
¬ صون المخطوطات القديمة العائدة للأديان كافة:
تعكف اليونسكو منذ عام 2018 على دعم الجهود الرامية إلى حفظ وصون مجموعة من المخطوطات التي أُنقِذت من الموصل، وذلك من خلال تقديم التدريب وتوفير المعدات اللازمة لذلك. ولا يقتصر محتوى المجموعة على النصوص المسيحية القديمة (السريانية والآرامية)، بل تحتوي أيضاً على وثائق إسلامية ويهودية وأيزيدية في التاريخ والرياضيات والأدب.
وكانت مجموعة المخطوطات الفريدة والإصدارات النادرة لـ "المركز الرقمي للمخطوطات الشرقية" محفوظة في الأصل في دير "سيدة الساعة للآباء الدومنيكان" في الموصل.
أنشأ الأب الدومنيكاني، نجيب ميخائيل، من الموصل المركز الرقمي للمخطوطات الشرقية في عام 1990، بغية تعزيز جمع وتوثيق المخطوطات القديمة من خلال إنقاذ ورقمنة المخطوطات التي توثق تاريخ المسيحيين في العراق.
حقائق وأرقام أساسية
- سوف تستحدث هذه المشاريع المتعلقة بإعادة إعمار التراث المعماري 2800 فرصة عمل. وقد رأت أكثر من 800 وظيفة النور بالفعل بفضل مواقع البناء.
- تمثل النساء 30٪ من مجموع المهندسين العراقيين الذين وظّفتهم اليونسكو من أجل الإشراف على المباني وتقييم حالتها.
- أزالت اليونسكو الركام ونزعت المتفجرات من مساحة قدرها 5600 متر مربع من المناطق الأثرية في مدينة الموصل القديمة. وأزالت منها ما يزيد على 7300 طن من الركام.
- استُخدم 83 طناً من الأخشاب لتدعيم هيكل جامع النوري.
2- إنعاش الحياة الثقافية:
¬ من خلال إنعاش الصناعات الثقافية، وتقديم الدعم لعالم الفن وشبكات الفنانين والإعلام والسياحة الثقافية وتوفير العمالة.
تعمل اليونسكو على إعداد آلية تمويل للصناعات الثقافية والإبداعية في الموصل والبصرة. وسوف يستخدم المشروع آلية صندوق تنمية المشاريع لتيسير إيجاد فرص عمل مستدامة من خلال إحياء الصناعات التي تسهم في إنعاش الصناعة الثقافية في العراق أو إعادة الإعمار الحضري.
وبالإضافة إلى ذلك، ندعم أيضاً الأكاديميين الذين يحتاجون إلى التمويل (المكتبات) من خلال تيسير إمكانية انتفاعهم بالتكنولوجيات الحديثة.
حقائق وأرقام أساسية
¬ يشارك 50 ألف شخص في حملات التوعية الثقافية والتراثية في مدينتي الموصل والبصرة. وتساعد الأطراف الفاعلة في هذه الحملات، التي تلقت التدريب من اليونسكو، في إعادة تأهيل المؤسسات الثقافية والأماكن الحضرية العامة.
¬ نُظّم مهرجانان ثقافيان (للكتاب والموسيقى) في عامي 2019 و2020 في الموصل بدعم من اليونسكو.
¬ قمنا بإعداد خارطة لأنواع موسيقية وغنائية تشهد على التنوع الثقافي في سهلي الموصل ونينوى. وسوف تساعد هذه الخارطة الموسيقيين والمغنيين وحفظة التراث على تسجيل هذه الأنواع الموسيقية وإحيائها وأدائها وتعليمها، وهي تشمل الأغاني التركمانية والإيزيدية، والترانيم الكلدانية، والأغاني البدوية، والأغاني الشبكية، والأغاني وآلات الإيقاع الكردية، وأغاني المقام الموصلي، وأناشيد وأغاني الموالد.
3- دعم التعليم
قَلَبَ احتلال مدينة الموصل على يد تنظيم داعش قطاع التعليم فيها رأساً على عقب، بدءاً من التعليم ما قبل الابتدائي حتى التعلـيم العـالي.
وأسفر النزاع عن تدمير المؤسسات التعليمية وتشريد 90٪ من الطلاب. وتسببت الحرب في أغلب الأحيان بإصابة الطلاب والمعلّمين بجراح جسدية و/أو معنوية. ونسعى إلى إحياء روح أهل الموصل مع توخّي تدخل استراتيجي لتحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية للعائدين إلى الموصل، وكذلك المجتمعات المحلية ككل.
وسعياً من اليونسكو لبلوغ هذه الغاية، وباعتبارها الوكالة الرائدة للتعليم على الصعيدين العالمي والإقليمي، فإنَّها تلتزم التزاماً قوياً بتعزيز نظام التعليم وسوق العمل في الموصل من خلال النهوض بالتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني وتنمية المهارات ودرء التطرف العنيف من خلال التعليم وتقديم التعليم العالي الجيّد. ومن هذا المنطلق، تعمل اليونسكو يداً بيد مع الحكومة العراقية لضمان حصول الجميع على تعليم جيّد.
عملنا الميداني:
- كان التدريب في مجال درء التطرف العنيف من خلال التعليم أحد اللبنات الرئيسية للتدخل الذي اضطلعت به اليونسكو في مجال التعليم في الموصل خلال العام الماضي. وقد استهدفنا المدرّبين الذين يستطيعون الوصول بفعالية إلى غيرهم من أعضاء المجتمعات المحلية وضمان استمرار حلقات التدريب هذه في المراحل اللاحقة لتدخلنا.
- تلتزم اليونسكو أيضاً بإحياء نظام التعليم في محافظة نينوى، ونحن نساعد في إعادة بناء المدارس ومراكز محو الأمية وندرّب المعلّمين لكي يكتسبوا مهارات جديدة.
- يتمثّل أحد الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة في تعزيز المهارات والنهوض بسوق العمل في الموصل من أجل تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية للناس وضمان صمود المجتمعات. وفي هذا الصدد، استعانت اليونسكو بعدد من المهنيين المحليين في مواقع العمل الخاصة بإعادة الإعمار واستهلّت برنامجاً لتوفير العمالة وتزويد الشباب العاملين في مجال الحرف التراثية بالتدريب التقني اللازم.
حقائق وأرقام:
¬ نقدّم التدريب لأكثر من 1500 مدرب من شرائح مختلفة من المعلّمين والأهالي والطلاب في المرحلتين الابتدائية والثانوية، وذلك في مجال درء التطرف العنيف من خلال التعليم. وتمثل النساء والشابات أكثر من 75٪ من المستفيدين من هذا التدريب.
¬ قمنا في إطار هذا التدريب بإعداد سلسلة محددة السياق من المواد التدريبية والأدلة الإرشادية ومجموعات الأدوات باللغة العربية، والتي ستضمن أيضًا استدامة عملنا على الأجل الطويل لدرء التطرف العنيف.
¬ أُعيد تأهيل 11 مدرسة في محافظة نينوى، من بينها 6 مدارس في الموصل، أي ما يعادل 109 قاعات دراسية.
¬ تعمل اليونسكو حالياً على تشييد مدرسة الإخلاص المسيحية في مدينة الموصل القديمة التي دّمّرت خلال احتلال تنظيم داعش.
¬ يستفيد أكثر من 300 شاب وشابة في مدينة الموصل من التدريب المهني وبرنامج إيجاد العمالة.
ج- تأثير جائحة "كوفيد-19"
عُلّقت مهامنا الميدانية في المواقع لعدة أسابيع، بسبب جائحة "كوفيد-19" والقيود المفروضة في الموصل (مع العلم أنّ المواقع بقيت تحت الحراسة ليلاً نهاراً طيلة أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة). ولقد استأنف زملاؤنا عملهم الميداني منذ عدة أسابيع.
استجابة اليونسكو لجائحة "كوفيد-19" في الموصل:
¬ تتصدّى اليونسكو لأزمة "كوفيد-19" وتأثيرها في إمكانية الحصول على التعليم الجيد، من خلال دعم مديرية التربية في محافظة نينوى، وذلك من أجل توفير إمكانية الانتفاع بالتعليم عن بعد لأكثر من 1600 طالب في المرحلة الابتدائية والمرحلة الدنيا من التعليم الثانوي الذين ينتمون إلى أشد الفئات ضعفاً. ويُستكمل هذا المشروع الرائد بوحدات تدريبية خاصة بالمعلمين، وهي تستهدف أكثر من 140 معلماً لتمكينهم من خلال تزويدهم بكفاءات التدريب الرقمي. وسوف يقدّم المشروع الدعم أيضاً إلى السلطات المحلية في إطار إعداد المزيد من الإرشادات التوجيهية المتعلقة بتحديد وتوفير الأدوات الرقمية للطلاب المستضعفين، وكذلك رصد تحصيلهم العلمي من خلال التعليم عن بعد.
[1] الصرف الصحي، تصريف المياه، تحسين التمديدات الكهربائية، هندسة الطرق.
Comments