كتبت ابنة الفقيد مي الأحمر هذه الكلمات في وداع والدها
الزوج، والوالد العزيز والصحافي اليان نايف الأحمر انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم 11 شباط، 2023، في ولاية كاليفورنيا، عن عمر ناهز الـ 92 عامًا، محاطًا بعائلته المُحبّة. اليان كان انساناً خلوقاً وصحافياً بارزاً قلّ نظيره، ترك أثرا وإرثا تصعب الإحاطة بهما بسهولة.
ولد في بلدة صيدنايا، السورية، قرية جبلية تشتهر بدير السيدة، فأخذ الصلابة والنقاء ومحبة سيدة صيدنايا منها. وكانت شخصيته مزيجا من شخصية والده المختار، الكريم النفس واليد، الذي يقصده الناس لاعتدال رأيه وصوابه؛ ومن والدته الوقورة المدبِّرة المثقفة المحبّة للعلم، فتأثر بها وانغمس في العلم وحب المعرفة والقراءة، وكان يصرف آخر قرش على الكتب حتى أواخر حياته.
عُرف مبكرا بلقب الاستاذ إذ بدأ مسيرته المهنية كمعلّم في سنّ لا تتجاوز الخمس عشرة سنة، في بلدة معرة صيدنايا، القريبة من مسقط رأسه، وظل اللقب يرافقه كل حياته وفي مهنته الصحافية.
اتّجه إلى مدينة القدس في منتصف أربعينيات القرن العشرين، ليدرس اللاهوت على يد الآباء البيض. وكان لهذه السنة وما شهده من أحداث وعنف فيها تأثيرا في وجدانه لازمه حياته كلها وثبّت تركيزه وعزيمته على تحدي الظلم وكشفه، ونشر الحق والمدافعة عن المستضعفين.
انتقل إلى لبنان حيث تابع دراسته ثم بدأ مهنته في الصحافة واحتضنه لبنان كصحافي ومواطن، وانعكس حبه للمشرق في حبه للبنان والتفاني لأجله واعادة الاتصال بجذور عائلته وأواصر القربى التي تعود إلى بلدة دير الاحمر في قضاء بعلبك.
اليان كان صحافيا مميزا اشتهر بصدقه واستقامته ومبدئيته البعيدة عن حني الرأس أو تسخير قلمه للأطماع المادية، شغوفًا بعمله، وضع نفسه في مواقف خطرة ليساهم في الخير العام. وما كان غريبا عنه أن يسعى لكتابة مقالاته فجرا، تحت ضوء الشموع، بحثا عن التركيز والهدوء في ساعات الفجر، لا تقاطعه سوى أصوات القنابل أيام الحرب.
كان لكتاباته صدى مدوٍّ في النفوس والساحة السياسية، وكانت شجاعته مثالا يحتذى. واستمرت مسيرته الصحفية لأكثر من 55 سنة تعامل فيها مع معظم رؤساء الجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال وحظي بثقة كبار سياسيي لبنان من كل الاتجاهات السياسية فكان يحصل على حصرية الأخبار لمهنيته ونظافته ودقة معلوماته وبُعد نظره وأمانته في نقل السبق الصحفي. وعاش بالمثل "الخبر مقدّس والرأي حرّ".
محبته لعائلته كانت ظاهرة في خطواته وسعيه الدؤوب لتأمين العيش والسلامة والحماية لها، تحت ظروف صعبة وحرب ساعرة. وكان همّه الأوّل بناء أسرة متماسكة كريمة قوية تعكس القيم الرفيعة التي يؤمن بها.
رغم الفوضى والحرب والعنف، وجد اليان مساحة سلام في الرسم فكان رساما موهوباً، خلق العشرات من اللوحات التجريدية التي تأخذ الناظر إليها إلى عوالم مليئة بالأحاسيس والأفكار والألوان الزاهية.
انتقل إلى نيويورك ثم كاليفورنيا في أميركا ليبدأ مغامرة جديدة بعد تقاعده. وساعدته محبته للتقدم والارتقاء على الاستمرار بتوسيع عالمه ومعرفته في الارض الجديدة.
اليان كان دمث الخلق، صاحب موقف، هادئ المِزَاج، حلو الحديث والمعشر. وكانت شخصيته الايجابية مُعدية. ينضح بالمحبة لكل من حوله ويتلقّى محبتهم بِيَدين مفتوحتين. وكان ذا قدرة استثنائية رائعة على إيجاد البهجة في أصغر الأشياء، وعلى الامتنان لكل تجربة. وضع فرحُه وأحضانه الدافئة ودبكته الشامخة وغناؤه المرحِّب وصلواته، البسمةَ على وجوه محبّيه. وترك أثرا في ألوف من الناس في المشرق العربي وكل أنحاء العالم.
غادر اليان نايف الأحمر هذه الحياة ولكنه يبقى في قلوب زوجته نهاد، وبناته وأبنائه أنجيل، هاني، نايف، ميّ، باسمة، جاد ومرشد، وأحفاده اليان وجوليان وأقاربه وأنسبائه وأصدقائه.
الصورة لـ بيا لامار * Picture by photographer Bea Lamar *
Comments