بقلم الدكتور لويس حبيقة
يشغل التضخم فكر الحكومات والمصارف المركزية والرأي العام. كانت هنالك بذور تضخمية قبل الحرب الأوكرانية، لكنها أصبحت أخطر بكثير معها. أتى الاقفال الصحي الصيني بسبب الكورونا ليضيف حدة الى المخاطر المالية. يؤثر الوضع الصيني على سلاسل الامداد، أي على عرض العديد من السلع وخصوصا الالكترونيات الضرورية لتشغيل الآليات. تحديد كمية الصادرات الأميركية المتطورة الى الصين يضيف الى المشكلة. يفهم العالم اليوم أيضا أهمية تايوان الصينية على صعيد الانتاج العالمي.
التضخم هي مشكلة العالم الأولى وتعطي الدول أهمية كبرى للمواجهة الصعبة ارتكازا على العلوم المتطورة والتجارب السابقة. السؤال الأهم هو هل يمكن العودة الى أوضاع ما قبل الحرب الأوكرانية أي الى أجواء استقرار محدودة تسمح للجميع بالعيش بمستوى أفضل مما هو عليه اليوم؟ هنالك جهود تبذل دوليا لمحاولة الرجوع الى الوراء بسرعة أو بالأحرى لانقاذ الممكن.
تحاول المصارف المركزية المواجهة عبر رفع الفوائد لتخفيف الاقتراض وبالتالي رفع الضغط عن الطلب الذي يساهم في رفع الأسعار. خطورة هذه السياسات، اذا مورست من دون حذر وتنبه، هي ايقاع الاقتصادات في الركود القاسي أي المزيد من البطالة والفقر. يقوم المصرف المركزي الأميركي بدور القيادة في هذا الايطار ونجح جزئيا أي أن نسبة ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك انحدرت وهذا جيد مؤقتا. انخفض أيضا نمو الناتج المحلي الاجمالي، لكن هنالك مؤشرات مهمة ايجابية في نسب البطالة عبر المناطق.
ما سبق يعني أن الانتاجية تدنت أي ان انتاج الفرد الأميركي انخفض مما يؤثر سلبا على نمو الاقتصاد مع الوقت. ما يرفع الانتاجية هو التجدد والاستثمار في البحوث والتكنولوجيا والمعرفة. من السياسات التي اعتمدت سابقا ليس فقط بسبب الكورونا، وانما لتأثيرها الايجابي على الانتاجية هي العمل عن بعد. أما اليوم، بدأت الشركات تطلب من موظفيها العودة الى المكاتب ولو جزئيا لأن التواجد مع الزملاء في نفس المساحة يعطي أجواء عامة ايجابية.
في كل حال، المطلوب من الشركات ايجاد مصادر وأفكار جديدة للنمو، وهذا ما لم يحصل بعد. من الأفكار المطروحة ازالة كل العوائق أما عولمة الخدمات من الطبية الى القانونية والاقتصادية والمالية. من الأفكار الأخرى تحويل الاقتصادات تدريجيا الى خضراء أي الاستثمار في الطاقات النظيفة تخفيفا للتلوث وتغييرا لطرق الانتاج حتى لو كانت التكلفة مرتفعة في البداية.
في نفس الايطار تقوم المصارف المركزية الأساسية الأخرى كالأوروبي بنفس السياسات، لكن أوروبا ما زالت متأخرة وهي قلقة بالنسبة لامدادات الغاز الروسية وتجاه امكانية امتداد الحرب الى ما بعد أوكرانيا. هنالك العديد من المصارف المركزية الذي يربط عملاته بالنقد الصعب خاصة بالدولار وباليورو. في تلك الدول تتحرك فوائدها الداخلية مع فوائد العملات التي ترتبط بها، أي ليست لها سياسات نقدية مستقلة. هذا يؤدي في رأيها الى نوع من الاستقرار المؤقت دون أن يكون الحل المناسب الدائم بسبب اختلاف الأوضاع بين الرابط والمربوط به.
Comments