بقلم الدكتور لويس حبيقة
توضع منذ زمن عقوبات دولية بالجملة على دول وجمعيات ومؤسسات، حتى أفراد لأسباب سياسية أو اقتصادية وربما أخرى. تشير معظم الوقائع الى عدم جدوى تلك العقوبات من ناحية تحقيق الأهداف الذي وضعت من أجلها.
العقوبات على فنزويلا وايران وكوبا وكوريا الشمالية أصبحت معروفة وتعتبر محدودة التأثير عالميا حتى لو نجحت جزئيا. العقوبات الأهم والأخطر حاليا هي التي وضعت وتتوسع على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية كما على الصين بسبب سياسات الداخل كما بسبب القلق الغربي من نفوذها الاقتصادي المتزايد.
ليست هنالك أدلة حتى اليوم وباعتراف الأميركيين أنفسهم أن هذه العقوبات نجحت في روسيا اذ ما زال الاقتصاد يعمل بحيوية وأن الايرادات النفطية وغيرها ما زالت كبيرة. هنالك من يشير الى الوقت الأطول الذي تحتاج اليه تلك العقوبات كي تؤثر بشكل جدي وقوي وما الوقت الا كفيل بالاجابة النهائية على هذه الأسئلة. روسيا ذات اقتصاد ضعيف وغير متنوع وغير ناضج، لكن الدولة تملك السلاح النووي ويجب الاصغاء اليها.
أما الصين فاقتصادها قوي ويقوى وهنالك من يقدر أنها أصبحت الاقتصاد الأكبر عالميا، هذا بالاضافة الى امتلاكها النووي أيضا. يسجل الاقتصادان الروسي والصيني فائضا تجاريا يمكن استعماله بشكل أفضل لتحسين النمو وتوزيع الثروة على المواطنين.
من ناحية روسيا، هنالك وقائع تشير الى استمرار بيعها للنفط والغاز بطريقة أو أخرى وربما عبر الصين أو غيرها من الدول غير المتعاونة مع العقوبات. في كل حال، الايرادات ما زالت تصل الى موسكو وهذا هو المهم بالنسبة لها. التأثير الأهم للعقوبات على روسيا هو من ناحية الواردات اذ يصعب عليها اليوم استيراد التكنولوجيا الغربية وقطع الغيار وبعض السلع التي تحتاج اليها.
من ناحية الصين، الموضوع الأهم هو حصول الرئيس شي على ولاية ثالثة سمحت له حكما وتدريجيا بوضع يد أقوى على الأوضاع الداخلية. هذا ما ظهر من خلال اختياره لفريقه الموالي جدا له ولطموحاته. في خطابه خلال المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي، شدد "شي" على أن الصين ستركز أكثر فأكثر على المصالح السياسية والأمنية بعد ان كانت المصالح الاقتصادية هي الأهم سابقا.
هنالك تغيير واضح في المبادئ الاقتصادية حيث تنتقل الصين من الأسواق التنافسية الى الموجهة من العاصمة، وان يكن ذلك بشكل تدريجي وجزئي. لكنه تغيير مهم ربما يؤثر على نمو الاقتصاد الذي أدهش العالم في العقود الماضية. ما زال النمو الصيني قويا ويقدر ب 5% في 2023 تبعا لصندوق النقد الدولي. يقول الرئيس شي انه يريد تعميم النمو وهذا جيد، لكن الآلية غير واضحة أي عبر اقتصاد السوق أم عبر القرارات المفروضة من المركز. سياسات الصين تجاه الكورونا ادهشت العالم في صرامتها وأضرارها الواضحة، لكنها استمرت لفترة طويلة.
لا شك أن الاجتماع الأخير في سان فرانسيسكو للرئيسين الصيني والأميركي خفف التشنج، لكن الانعكاس الايجابي على الاقتصاد والتجارة والاستثمارات يتطلب بعض الوقت.
Comments