بقلم الدكتور لويس حبيقة
قسم كبير من دول العالم يربط نقده بالدولار وقسم آخر يربطه بسلة عملات أساسية ضمنها وبثقل كبير الدولار. فالدولار القوي له ميزاته ويؤثر مباشرة على أوضاع عشرات الدول. يبقى الدولار قويا بالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية للولايات المتحدة ليست مثالية وهنالك صراع كبير متنوع بين الادارة والكونغرس. المنافسات الانتخابية الداخلية والمواضيع التي تهم الأميركيين تسبب حدة في النقاشات والحوارات كما نشهد حاليا تجاه مشاريع تمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا واسرائيل. أما التضخم فمرتفع وهو الأعلى منذ عقود، والعجزين التوأمين الداخلي والخارجي يشيران الى خلل قوي داخل الاقتصاد الأميركي.
حصة كل مواطن من الدين العام الأميركي يفوق المئة ألف دولار ومجموع الدين العام أكبر من الناتج المحلي الاجمالي أو 122%. العجز التجاري ضخم وقسم مهم منه يأتي من مصدرين هما التجارة مع الصين واستيراد النفط. قلب أزمة 2008 المالية كان في الولايات المتحدة أي مصدرها أميركي ونتائجها أميركية وثم دولية، لكن الدولار يبقى قويا.
هنالك ثقة عالمية بالاستقرار السياسي داخل الولايات المتحدة بالرغم من الصراعات بين الحزبين وبين قوى النفوذ والمصالح المختلفة. ما هي فعلا أسباب قوة الدولار التي تجعل منه ومن الاقتصاد الأميركي جاذبا للاستثمارات والادخارات العالمية؟ أولا، سياسة المصرف المركزي التي رفعت الفوائد مرارا لمواجهة التضخم وبالتالي قوت جاذبية النقد. تأخر المصرف في رفعها اعتقادا من قيادته أن التضخم سيكون خفيفا وربما يختفي بسرعة. هذا الخطاء في التوقعات جعل المصرف يقوم لاحقا برفع الفوائد بسرعة. من المتوقع أن تستمر هذه السياسة حتى منتصف 2024 ومن ثم ربما يتم تخفيض الفوائد للتشجيع على الاستثمارات.
ثانيا، الحرب الأوكرانية التي أصابت الاقتصادات الأوروبية أكثر بكثير من الأميركي. العنف في الحرب سيترك أثارا لن تمحى بسرعة من النفوس والعقول. القرب الجغرافي الأوروبي عامل مهم وله تأثيرات كبرى على التجارة والاستثمارات. نسبيا أصبح الاقتصاد الأميركي أقوى مقارنة بالمنافس الحليف الأوروبي. أما حرب غزة، فتأثيرها الاقتصادي الدولي ما زال ضعيفا. لكن اذا أثرت الحرب على سلامة نقل البضائع وخاصة النفط، فالنتائج ستكون مختلفة لكن يبقى التأثير أقل على أميركا.
ثالثا، الوضع الاقتصادي الصيني الذي تأثر سلبا بعوامل عديدة منها سياسة الحكومة تجاه الكورونا وفائض العرض العقاري نتيجة البناء الكبير غير المدروس. نضيف اليها التأثيرات السلبية على قطاع التكنولوجيا الذي ميز الصين لعقود والذي يصاب اليوم بتوقف الصادرات الأميركية المتخصصة. أما تحويل ادارة البلد أكثر فأكثر نحو المركز أو العاصمة مع بداية الولاية الثالثة للرئيس شي، فنتائجه السلبية ستظهر تدريجيا في 2024.
رابعا، الطاقة في أسعارها وتوافرها تؤذي أميركا أقل بكثير مما تؤذي أوروبا واليابان والصين. نسبيا تستورد الولايات المتحدة القليل من النفط على عكس أوروبا واليابان والصين. عامل الطاقة يؤثر على المنتجين والمستهلكين اذ هنالك توجه دولي نحو الطاقات النظيفة أخذ دفعا كبيرا مع مؤتمر COP28 في دبي.
Comments