bah السلطة في افلام شارلي شابلن - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

السلطة في افلام شارلي شابلن

10/13/2024 - 20:49 PM

Prestige Jewelry

 

 

خليل الشيخة *

 

من النادر أن نجد فيلماً للمثل العالمي شارلي شابلن دون أن تكون السلطة حاضرة في شخصية الشرطي والغني. من خلال هذا الثنائي يحيك شابلن أفكاره التي تصب بشكل أو بآخر على الصراع التاريخي بين الإنسان الفقير الذي لايملك شيئاً والغني الذي يملك كل شيء يسانده في ذلك الشرطي ليضبط الشارع  لصالح الرجل الميسور.

عمل شابلن في طفولته كل أنواع المهن، فقد عمل بائع جرائد، وعامل في مِطْبَعَة، ونافخ زجاج، ومساعد طبيب لكن لم يكن راضياً عن هذه المهن، فقد قال عن ذلك " لم يغب عن نظري يوماً أن أصير ممثلًا هزليًا" 1- ص 5. وكان يقف أمام أحد المحلات حالماً بمستقبل واعد إذ يقول " في سن الثانية عشرة من عمري، غالباً ماكنت أتسمر أمام حانة "الكوب" للنظر إلى هؤلاء السادة الوسيمين وهم ينزلون من عرباتهم ويدخلون الحانة التي كان فيها مسرح المنوعات" 1- ص13.

ولد شارلي (أو تشالرز) شابلن في عام 1889 بإحد الأحياء الفقيرة في لندن،  لأم تعمل في المسرح وأب  مطرب، لكن تركهم ورحل إلى أمريكا. وهكذا تربى الطفل في بيئة في غاية الفقر لدرجة أنه كان يذهب إلى أسرة صديقه كي يأكل هناك، وكانت تطلب منه أن يفعل ذلك بشكل يومي كي لايموت من الجوع. هذا ماذكره في الصفحات الأولى لسيرته الذاتية التي ترجمت للعربية (حياتي).

عندما واتته الفرصة للمجيء إلى الولايات المتحدة لم يتردد وكان هذا آخرعام 1913، ثم بدأ العمل مع شركة سينمائية أمريكية كيستون ( Keystone Studio)، وفي تلك الأثناء اختار لباسه وهندامه الذي سيكون جزءاّ من أدواره وشخصيته كممثل. فكان المشرّد والعاطل عن العمل والملاحق من الشرطة والمجرم القانوني. ولذلك تحولت أفلامه إلى نقد لاذع للمجتمع وللنظام السياسي في امريكا. هذه الأعمال ساقت معها الملاحقة ومن ثم  مغادرته إلى أوروبا شبه منفيًا. 2- ص

والشرطي كما قلنا دائم الحضور في أفلام شابلن، فقد سمى أحد أفلامه بالشرطي (police) إذ يبدأ الفيلم بخروجه من السجن فيعترضه رجل نصاب يرتدي ثياب قسيس يحمل الكتاب المقدس ويحاول وعظه. بينما هي محاولة لإلهائه كي يسرق منه مامعه من نقود، ثم يذهب إلى رجل غني مخمور ويفعل ذات الشيء. عندما يكتشف شابلن ذلك يطارده ومن ثم يراه الشرطي وينخرط أيضًا بمطاردته. الفيلم كله صامت، بل معظم أفلامه الناجحة هي صامته.

كانت أعمال شابلن كثيفة، ففي عام 1914 مثل وأخرج 35 فلما، حيث ظهر فلم المهاجر في تلك الفترة ليعبر عن الغرباء المهاجرين ومعاناتهم في الوطن الجديد، ثم فلم الشارع الذي صّوره عن الفوضى والفقر عن تلك الفترة ، وبعده أتى فلم (الطفل) المفعم بالحب الإنساني لطفل لقيط لم تستطع أمه تربيته لفقرها، ومن ثم أتى الفيلم الرائع ( الأزمنة الحديثة) والذي كان نقدا واضحًا للنظام الرأسمالي الذي استعبد الناس، بالإضافة إلى أن الفترة الزمنية التي كانت تحياها الولايات المتحدة هي فترة كساد اقتصادي وهي إحدى الدورات التي تتكرر في هذا النظام.

وحتى أن هذا الفيلم منع عرضه في كل من إيطاليا وألمانيا. القصة بأن صاحب الشركة يبحث عن الطرق والأساليب لزيادة الإنتاج غير مهتم إلى العوامل الإنسانية بل هو يعامل العمال كجزء من آلات المصنع. وأتى فلم (الدكتاتور) عن أدولف هتلر) حيث جعل منه على الشاشة مسخا ساخرًا. وعرضه عندما كان هتلر يحتل أوروبا ويفرض منطقه على العالم. والفيلم الذي ترك ضجة في الصحف الأمريكية كان (مسيو فيردو) والتي بدأت مضايقته بشكل علني من المخابرات الأمريكية.

ثم انتهت به فيما بعد إلى اختيار المنفى في سويسرا بعد إدراكه أن الحكومة الأمريكية لا تبيت له خيرًا. الفيلم يروي قصة عامل فقير في البنك يحتاج إلى دواء لزوجته وأخيرًا ينتقل من عائلة غنية إلى أخرى ليتزوج من الأرامل ويقتلهن ثم يجمع التأمين. وفيلم (ملك في نيويورك) والذي يتحدث عن فترة مكارثي في محاكمة الشيوعيين والذي تعرض إلى المحاكمة باتهامه بأنه شيوعي.

تركزت معظم أفلام شابلن على مشاكل الإنسان بشكل عام والفقراء بشكل خاص تحت وطأة النظام الرأسمالي الصناعي، فقد اختار لنفسه أن يكون رمزا للإنسان المتشرد الفقير الباحث عن لقمته اليومية. وكان دائما يفعل ما يتمناه الإنسان الفقير المضطهد بأخذ الثأر سوءا من الشرطي أو من ممثلي الطبقة الراقية، فقد ظهرت أوائل هذه الظاهرة في فلمه (المهاجر) الذي رفس لأول مرة شرطي الهجرة عندما خرج من الباخرة أتيا من وطنه الأصلي،

ثم تبع أفلامه ظواهر أخرى مثل شد لحية رجل أعمال أنيق أو السخرية منه، فقد صرح في إحدى المقالات الصحفية قائلا: أتعلم لماذا يضحك الناس إذا ما رأوا شرطيا يسير على الرصيف وينزلق ويقع أو رأسمالي أنيق يشد من لحيته، لأن 90% منهم يود فعل ذلك بطريقة لاشعورية. وتكمن نظرته هنا في العلاقة مابين الشرطي والمواطن كون الشرطي يمثل النظام بصورة ما. وربما كان رمز فلم (مسيو فردو) هو الفرد الضائع في المجتمع والذي يصبو إلى الغنى بطرق ملتوية حيث احدث قنبلة ضجت لها الصحف الأمريكية، وربما خلاصة الفيلم في نهايته عند المحاكمة عندما يعترف بأنه سفاح لكنه يسأل كيف تشن الحروب ضد الدول الضعيفة لذات الهدف.

- الملاحقة الخفية من قبل السلطات الأمريكية:

ما إن عرض فيلم مسيو فيردو حتى تلقى شارلي شابلن وابلا من الأسئلة العدائية من الصِّحافة وبدأت السلطات الأمريكية حملتها عليه ومحاولة سجنه. فقد اتفقوا مع فتاة تحت السن القانوني بأن تدعي بأنه اغتصبها، وعندما وضعت الفتاة وليدها أثبت الطبيب الشرعي بأن الوليد لم يكن أبن شابلن. وفي تلك الآونة صرح شابلن للصحافة بأن الحكومة الأمريكية تلجأ إلى هذه الطريقة من البلطجة القانونية لتشويه خصومها السياسيين، ولم تكتف السلطة لهذا الحد بل ظلت تلاحقه بتلفيق قصة جديدة بأنه خالف أحد القوانين والتي كانت تطبق في الحروب الأهلية.

فكتب حول ذلك بأنه كان يستيقظ يوميًا صباحًا ثم يخرج بعد الإفطار للمحكمة. وأيضا أثبتت براءته في هذه المرة إلا أن ذلك قد وضعه في قوقعة الكآبة والحزن الشديد الذي شعر من خلاله بأنه مجوف من الداخل وجريح وعاري من الكرامة. واستدعي من قبل لجنة مكافحة النشاطات الغير أمريكية إلى واشنطن فاخبرهم إذا كانوا يلاحقونه كونه شيوعيًا، فهو ليس كذلك ولم يحدث بأنه انضم إلى منظمة أو حزب من قبل.

ومن جملة الأسئلة التي تقصد التجريح بالفنان العبقري بأن الصِّحافة وجهت له سؤالًا مرة: لماذا لم يتجنس كأمريكي بعد، فأجاب بأنه لا داعي لتغير جنسيته، فهو مواطن عالمي، ثم كان السؤال الثاني بأنه يكسب ثروته من أمريكا فقال حسنا. إذا كنت تنظر من المسألة على أساس نفعي فلنجعل الأمور واضحة. إن تجارتي عالمية و70% من دخلي اكسبه من الخارج بينما تحصل الولايات المتحدة على ضرائبها كاملة وهكذا ترى بأني ضيف سخي فيما يدفع.

وتدور أسئلة كثيرة وملاحقة المخابرات متواصلة حيث سئل شابلن عن صديق عزيز وموسيقار أمريكي كبير هو (هانز ايزلر) هل تعرف ذلك الشخص؟ فأجاب بأنه صديق عزيز . وهل تعرف بأنه شيوعي ، لا يخصني ماذا يكون فصداقتي لا تقم على أسس سياسية، وقد علق في كتابته على ذلك الموقف قائلا : أحسست بعد الاجتماع بمرارة شديدة في داخلي، فقد أدركت أني أوجه عداءّ مسعورًا.

وكتب جيم إيجي الروائي الأمريكي الكبير في مجلة التايمز : " ما شعور الإنسان حين يكون فنانا وقد أثرى العالم بكل هذه السعادة وكل هذا الفهم للناس البسطاء، ثم يهان ويتلقى الكراهية من جانب ممثلي الصحافة الأمريكية.

- الخاتمة :

لم يكن شابلن من المرغوب فيهم من السلطة الأمريكية. وليس هو الوحيد بل هكذا فعلت السلطة مع الروائي العالمي (أرنست همنغواي) الذي كان ملفه بالأطنان عند المخابرات الأمريكية. وعندما شبع شابلن كراهية من السلطة اختار منفى لنفسه في سويسرة حيث مات هناك تاركا أعدادا هائلة من الأفلام الرائعة التي تندرج تحت رداء الفن الإنساني الأصيل. وهكذا خلد شارلي شابلن في تاريخ الفن الأصيل.

 

.........................

 

المراجع:

1. حياتي – شارلي شابلن – ترجمة كميل داغر – طبعة أولى 1994. الناشر المركز العربي.

انطباعات الزمن الفائت – خليل الشيخة – 2007  مقالات ودراسات – طبعة1 – حِمِّص اليمامة - 2007

 

* كاتب وقاص

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment