bah لحظات مثالية مع فيلم مثالي Perfect days - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

لحظات مثالية مع فيلم مثالي Perfect days

03/10/2025 - 16:26 PM

Bt adv

 

 

ابتسام يوسف الطاهر

 

قليلة هي الافلام التي تترك فيك اثرا ايجابيا يغير مزاجك وحتى رؤياك للاشياء ، خاصة وانت محاصر بل مطارد بالاخبار والاهوال التي تطيح بكل مالديك من صبر وامل، وانت تصحو وتنام مفزوعا مهزوما ومصدوما مما ترى وتسمع، وانت ترى وحوش امريكا ولقيطتها الحاقدة تقتل الاطفال وتهدم المستشفيات والقرى الامنة في فلسطين ولبنان وسوريا بدم بارد، امام دعاة حقوق الانسان ! لا احد يرفع اصبعا للدفاع عن الديمقراطية التي صدعونا بها والتي احتلوا بلدانا من اجلها كما يدعون!

وسط هذا الخراب تشاهد فيلما يابانيا وهو شيء نادر، تشاهد فيلما بعيد عن مبالغات هوليوود التي فاقت الافلام الهندية! الفيلم مر في بعض صالات السينما ولم ننتبه له! لان الدعايات متخصصة للافلام الامريكية كما يبدو! حتى اقترحه ابني مشكورا لنشاهده عبر المنصات النادرة التي تتميز باختيار افلامها..

Perfect days

يذهلك الفيلم من اول مشاهدة بل تنتابك رغبة قوية لتراه مرة اخرى.. كل ذلك والفيلم ليس فيه اي مفاجأت ولا اكشن ولا مطاردات هوليودية بالسيارات الامريكية التي تاخذ معظم مشاهد الفيلم وبقدرة قادر لا البانزين يخلص ولا الاطارات او العجلات تتعطل!

ولا فيه مبارزات بالمسدسات او الرشاشات من تلك التي تثير اعصابك وتشعرك بالانفعال لحد الغثيان! ويخلو ايضا من الاثارة او المشاهد الجنسية التي تعتمدها الافلام الامريكية لجذب جمهور المراهقين.. بل حتى الحوار نادر جدا يعتمد على حوار الكاميرا والاضاءة ووجه الممثل البطل. وهذا في صالح المشاهدين الغير يابانيين، فكثير ما نضيع فرصة التمتع بالمشاهد بسبب التركيز على قراءة الترجمة. بل يخلو ايضا من الموسيقى التصويرية التي تصدعنا بها المسلسلات العربية والتي تطغى في معظم الاحيان على الحوار بين شخوص العمل، مما يثير الغضب والتوقف عن مشاهدة ذلك العمل!

فيلم ايام مثالية، يشدك لدرجة لاتريد ان يفوتك اي مشهد تستمتع بالمشاهدة بانسيابية وبدون انفعال، الفيلم ياباني بطولة الممثل المبدع كوجي ياكوشو، واخراج Wim Wenders ويم ووندرز المعروف باخراج الافلام الوثائقية..فكرة الفيلم كما يقول المخرج خطرت له اثناء احدى زياراته لطوكيو.

يقول “ان في اليابان هناك احترام للحياة العامة فوجدت ان كل ما احتاجه هو سيناريو جيد مع ممثل جيد مثل كوجي ياكوشو ليلعب دور هيراياما Kōji Yakusho، يكاد الفيلم ان يكون وثائقيا عن حياة رجل ستيني بسيط يعمل منظفا للتواليتات العامة في طوكيو، يصحو كل صباح في بيته الذي هو عبارة غرفة صغيرة ملحق فيها زاوية جعل منها مطبخ، والحمام ليس سوى مغسلة لغسل الوجه فقط.. فهو يستخدم الحمامات العمومية التي تنتشر في طوكيو بعد نهاية عمله المتعب.

هيراياما بطل الفيلم يسارع في جمع فراشه البسيط ووضعه في زاوية من الغرفة فهو ينام على الارض وغرفته تخلو من الاثاث ماعدا رفوف بسيطة يجمع فيها كتبه حيث يحرص على القراءة قبل النوم. ثم يتفقد اصص الزرع التي يعتني فيها كما لو هن ابناءه. يسقيها ويبتسم لها ويسرع لارتداء بدلة العمل يخرج متاملا السماء حتى لو كانت مدلهمة بالغيوم يبتسم راضيا، ثم يشتري علبة القهوة من الماكينة في اسفل البناية يشربها برضا وينطلق بسيارته الصغيرة التي لا تسع سوى لمعدات التنظيف. يسمع الاغاني الانكليزية ويطرب للموسيقى اكثر منه طربًا للكلمات. يسمع بين الحين والآخر لاغنية نينا سيمون (بيرفكت ديز) الشهيرة والتي يحمل الفيلم اسمها. نينا سيمون مطربة امريكية من المناضلين السود في الستينات مع القائد مارتن لوثر كنك.. هاجرت الى فرنسا وبقيت هناك ورفضت العودة الى امريكا العنصرية حتى رحليها.

لم تكن ايام هيراياما مثالية من منظورنا، لكنه جعلنا نرى حياتنا مثالية رغم كل مافيها من اوجاع وخيبات، منحنا الفيلم جرعة من الرضا، وابتسامة منحتنا نوما هادئا بعد ما قضّت مضاجعنا الكوارث الراسمالية والويلات الاسرائيلية والخيبات في قيادات مجتمعنا الغير مسؤولة! ربما هو ذكاء المخرج في اختيار ممثل ممكن ان نقول انه مثالي بوجهه السمح وتعابير عيناه الناطقتان التي اغنت الفيلم عن حوار تنتظره لم يتذمر هيراياما من عمله ولا من تاخر مساعده الشاب النزق الثرثار، اكثر حواره من خلال عينيه المبتسمتين، يحمل كاميرته القديمة ويصور الحديقة التي يجلس على احدى مساطبها يتامل الزرع والسماء والناس هناك.. يجذب نظره نبتة ما فيقطف غصنا ليزرعه في مسكنه ويضيفه الى باقي الاصص هناك..

تشاركه مشاعره ازاء سيدة تعمل في بار بنفس عمره تقريبا..ثم نقرا في عينيه صدمة حين يراها مع رجل اخر، فينسحب بهدوء. حتى يلتقي بذلك الرجل الذي يشرح له الموقف..  انه زوجها السابق وجاء ليودعها فهو مريض وايامه معدودة. وانها تبادله نفس مشاعره .. فيلعب معه لعبة مطاردة الظل . يمتن له الرجل لانه اضفى على اللقاء لحظات من المرح . فتقرأ الفرح في عينيه. يقول احد النقاد عن الفيلم “ تخرج من السينما وانت راض عن نفسك تتامل السماء كما لو انك تراها لاول مرة”.

يمنحك الرضا عن النفس بعض الشيء، او الصلح معها، يمنحك هدنة بسيطة تجمع فيها شتات روحك وتعيد بعض من املك في الحياة.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment