بعد ختام الموسم الأول تؤكد: الإعلام جسر عبور والأمل لا يموت
إعداد وحوار: الإعلامي كريم حداد
في زمن تحوّلت فيه شاشات الإعلام إلى ساحة صراخ وانقسام، خرج صوت مختلف من أقصى الجنوب الشرقي للعالم، من سيدني - أستراليا، تحمل همّ لبنان الوطن وهمّ اللبناني المغترب، بصوتٍ جريء، صادق، ومتّزن. إنها داليدا إسكندر معيكي، الإعلامية اللبنانية التي آمنت بأن الميكروفون ليس مجرد أداة نقل، بل منصة للحوار، والجسر الأهم بين ما تبقى من الوطن في القلوب وما يسكنه في الذاكرة.
منذ بداياتها في لبنان، لمع اسمها في الإذاعة والتلفزيون، لتتابع مسيرتها لاحقًا في أستراليا، وتُصبح من أبرز الأصوات الإذاعية عبر إذاعة 2ME، قبل أن تطلق مؤخرًا برنامجها السياسي-الحواري الخاص “في أمل بلبنان؟” عبر منصة ليبانون هاب.
برنامجها لم يكن كباقي البرامج. كان مساحة جريئة وصادقة طرحت فيها، على لسان المغترب اللبناني، السؤال الذي لا يموت: “في أمل بلبنان؟”. واستضافت خلال حلقاته شخصيات سياسية، إعلامية، وفنية من لبنان وأستراليا، جمعتهم على طاولة الحوار بحثًا عن أجوبة بحجم الوطن.
في هذا الحوار الخاص، تفتح داليدا إسكندر معيكي قلبها لتتحدث عن كواليس التجربة، التحديات التي واجهتها، الرسائل التي أرادت إيصالها، وماذا بعد هذا النجاح الذي لقيه الموسم الأول من البرنامج.
فإليكم هذا اللقاء الصريح مع صوت من الاغتراب… يصدح باسم الوطن.
1. داليدا، كيف تصفين تجربتك في تقديم الموسم الأول من برنامج “في أمل بلبنان؟”؟
كانت تجرِبة رائعة جدًا على كافة المستويات. فكرة البرنامَج انطلقت من سؤال يسمعه كل مغترب لبناني في أصقاع الأرض: “في أمل بلبنان؟” وهو سؤال مشروع بعد كل ما مرّ به لبنان من أزمات ومحن وظروف قاسية.
أردت من خلال البرنامَج أن أطرح هذا السؤال وأحاول، قدر المستطاع، أن أُجيب عليه بلسان المغترب، وأحمل هواجسه إلى الشخصيات السياسية والإعلامية والفنية التي استضفتها.
مهنيًا، كانت التجربة مميزة لأنني استخدمت تقنيات حديثة للبث المباشر بالصوت والصورة من سيدني عبر منصة “ليبانون هاب”، وهو أمر جديد في تجربتي الإعلامية الأسترالية. التعامل مع الكاميرا، التفاعل مع الجمهور عبر السوشال ميديا، وتحضير الضيوف، كلها عوامل أضافت لي خبرة كبيرة.
أما شخصيًا، فقد منحتني هذه التجربة قدرة أكبر على إدارة الحوار، وعلى الإصغاء، وفهم الضيف والتفاعل معه.
2. كيف اخترتِ ضيوفك؟
كنت أتابع الحدث السياسي اللبناني عن كثب، وأختار ضيوفي وفق الملفات المطروحة. استضفت شخصيات من مختلف الاتجاهات السياسية، لأنني كإعلامية لا أنتمي لأي حزب، بل أنتمي إلى لبنان وحده.
كان هدفي أن أُقرّب وجهات النظر، لا أن أثير الجدل أو أبحث عن “ترند”. لذلك حرصت على تجنب المواجهات المباشرة بين جهات سياسية متناقضة، وفضّلت طرح أسئلة المغترب اللبناني على كل جهة على حدة، بموضوعية وجرأة واحترام.
بالرغم من أن الطابع العام كان سياسيًا، إلا أنني حافظت على التوازن الثقافي والفني لأن المغترب اللبناني يهتم بكافة جوانب المشهد اللبناني.
3. هل واجهتِ مواقف صعبة على الهواء؟
نعم، في إحدى الحلقات استضفت ضيفين من فريقين سياسيين مختلفين، وحدث بينهما خلاف على الهواء بلغ حدّ تجاوز بعض الخطوط الحمراء.
انزعجت جدًا من الطريقة التي رفض كل منهما الاستماع إلى الآخر، وتدخلتُ مباشرةً لأذكّر أن هذا البرنامج ليس مساحة للتجاذب بل للحوار.
استطعت احتواء الموقف، ونجحت في إنهاء النقاش بكل احترام، ما عزز لدي الإيمان بأهمية “فن الإصغاء” لدى الإعلامي، وقدرته على توجيه الحوار وحمايته من الانزلاق إلى ما لا يُراد.
4. ما الرسالة التي حاولتِ إيصالها من خلال البرنامج؟
كنت أحرص دائمًا على أن أُظهر الجيش اللبناني كمؤسسة جامعة، وأن أطرح فكرة إعطاء سلاح الدولة للجيش عبر الحوار، لا عبر الحرب أو الانقسام.
لمست إجماعًا واضحًا بين الضيوف والمشاهدين على الثقة بالمؤسسة العسكرية، وأكد الجميع أن الجيش هو الضمانة الوحيدة لوحدة لبنان، مهما اختلفت الطوائف والانتماءات. هذه الرسالة كنت حريصة على إيصالها بكل وضوح، وهي نابعة من إيماني العميق بدور الجيش اللبناني.
5. كيف كان التفاعل مع البرنامج من الجالية اللبنانية في أستراليا؟
التفاعل كان رائعًا، بل أكثر مما توقعت. كثيرون من اللبنانيين في الاغتراب تواصلوا معي وطرحوا أسماء ضيوف أو مواضيع للنقاش، وهذا منح البرنامج بُعدًا تفاعليًا حقيقيًا.
نحن في أستراليا، ورغم بُعد المسافة، نعيش يوميًا على نبض لبنان. ننام على أخباره ونستفيق عليه، والإعلام أصبح الوسيط الأقوى لربطنا بالوطن.
6. لماذا اخترتِ الجيش اللبناني ليكون رمزًا في برنامجك، وماذا يمثّل لك؟
أولاً، يشرفني أن أختار الجيش اللبناني ليكون رمزًا للأمل ومحورًا دائمًا في حواراتي، فهو ليس فقط مؤسسة عسكرية، بل هو الركيزة الوطنية التي ما زالت صامدة وسط كل التحديات.
منذ أن كنت في لبنان، شاركت في تقديم مهرجانات واحتفالات رسمية خاصة بالجيش، وشعرت دومًا بالفخر عندما كنت أرتدي البدلة العسكرية الرمزية وأقف على المسرح ممثلة للإعلام، داعمة لهذه المؤسسة الوطنية.
دائمًا ما أردد — منذ أكثر من عشرين سنة — أن:
“قبل أن تكون صحافيًا، عليك أن تكون وطنيًا”.
والوطنية الحقيقية تبدأ من دعم المؤسسات الشرعية وعلى رأسها الجيش اللبناني. نحن كصحافيين لدينا رسالة، وجزء منها أن نكون درعًا إعلاميًا يساند الجيش ويحمي صورته ومكانته في المجتمع.
ونحن اليوم على مقربة من عيد الجيش اللبناني في الأول من آب، أوجّه تحية من القلب إلى هذه المؤسسة التي أثبتت، بجدارة، أنها الدرع الحقيقي للشعب اللبناني، رغم كل الصعوبات.
كما لا يسعني في هذا السياق إلا أن أقول: “يعطيهم ألف عافية” لأبطال الجيش اللبناني، الذين يواصلون عملهم الدؤوب في المداهمات وحفظ الأمن، وسط ظروف صعبة، وبكفاءة تُرفع لها القبعة.
7. ما أبرز التحديات التي واجهتكِ خلال تقديم البرنامج؟ وهل موقعكِ في سيدني أثّر في طريقة عملكِ أو تواصلكِ مع لبنان؟
من أبرز التحديات التي واجهتني كمقدمة برامج سياسية من الاغتراب، كانت المحافظة على الجرأة في الطرح دون الوقوع في الاستفزاز، والتمسك بالموضوعية دون الانحياز لأي طرف، فالانتماء الأول والأخير بالنسبة لي هو للبنان، فقط.
التحدي أيضًا أن أُبقي الحوار سلسًا ومحترمًا، وأن أمارس “فن الإصغاء” بحق، لأن الإعلامي الناجح لا يكتفي بطرح الأسئلة، بل يمنح ضيفه المساحة الكاملة للتعبير.
أما من حيث الموقع الجغرافي، مواقع التواصل الاجتماعي قرّبتنا من لبنان أكثر مما نتخيل. وأنا أؤمن أن المسافة لم تعد عائقًا، بل أصبحت وسيلة لتعزيز التواصل مع الداخل.
وبالمناسبة، أُعلن عبر هذا الحوار حصريًا أنني أستعد للعودة إلى أثير إذاعة صوت الغد – أستراليا، ابتداءً من أيلول المقبل، حيث سأقدّم برنامجًا جديدًا، بل أكثر من برنامَج، في إطار توسّع مهني أعتبره خطوة مهمة في مسيرتي الإعلامية.
8. هل سيكون هناك موسم ثانٍ من “في أمل بلبنان؟”؟ وإن وُجد، وهل سيحمل تغييرات في الشكل أو المضمون؟
نعم، هناك موسم ثانٍ بإذن الله. وأفكر جديًا بأن أفتح المجال لاستضافة شخصيات من توجهات سياسية مختلفة عن تلك التي ظهرت في الموسم الأول.
سأخوض هذه الخطوة مع الحفاظ الكامل على الرقي في الحوار، والتمسك بالاحترام المتبادل والطرح المتوازن، لأن الهدف الأول من البرنامج هو التقريب بين وجهات النظر لا تعميق الفجوات بينها.
9. ما هي رسالتك الأخيرة للبنانيين في الداخل والاغتراب من خلال تجربتك في “في أمل بلبنان؟”؟
رسالتي لكل لبناني، في الداخل والخارج، هي أن الأمل لا يُفقد.
منذ كنا صغارًا نسأل: “في أمل بلبنان؟”، وقد نُعيد السؤال مرارًا، لكن الجواب يجب أن يكون دائمًا: نعم.
نحن أبناء الرجاء، ولبنان هو “قلب الله على الأرض”، ولا خوف عليه ما دام الإيمان موجودًا في قلوب الناس، والعيش المشترك يحكم علاقتهم، وما دام هناك رجال ونساء يحبّون هذا الوطن بإخلاص.
وفي الختام، أوجّه لك، كريم، تحية كبيرة من القلب، شكرًا لوقوفك الدائم إلى جانبي في مسيرتي الإعلامية هنا في أستراليا، وأعتز بالعلاقة المهنية والإنسانية التي تجمعنا، والتي قرّبت المسافات بين سيدني والولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وإن شاء الله، نكون دائمًا معًا في خدمة وجه لبنان الحضاري المشرق.
Comments