bah افتتاحية بيروت تايمز: حين يفتح جبران باسيل "الملف الأسود"... هل يستيقظ الضمير اللبناني؟ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

افتتاحية بيروت تايمز: حين يفتح جبران باسيل "الملف الأسود"... هل يستيقظ الضمير اللبناني؟

08/16/2025 - 14:52 PM

Prestige Jewelry

 

 

بيروت - بيروت تايمز - اعداد وتحقيق منى حسن

بين زحمة الأحداث وضجيج الأزمات المتلاحقة في لبنان، يطلّ خبرٌ يُعيد فتح جرح قديم، جرح الفساد الذي لم يلتئم يومًا. هذه المرة، جاء الصوت من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي خرج عبر منصة "إكس" معلنًا أنه سلّم لجنة التحقيق البرلمانية في ملف الاتصالات ما سمّاه "الملف الأسود"وثيقة وُصفت بالضخمة، تحمل بين صفحاتها اتهامات صادمة عن هدر يفوق المليار دولار، مدعّمة بالمستندات الرسمية.

غير أن هذه القنبلة السياسية ليست جديدة بالكامل. فباسيل يؤكد أنّ الملف أُودع لدى الجهات القضائية منذ عام 2009، لكنه ظلّ حبيس الأدراج، رغم عشرات المراجعات والكتب الرسمية التي رفعها لمتابعته. خمسة عشر عامًا مرّت، تغيّرت خلالها حكومات وسقطت عملة وطنية وتبدّلت معادلات سياسية، لكن الملف بقي مكانه. اليوم، تعود القصة إلى الواجهة عبر لجنة تحقيق برلمانية تشكّلت خصيصًا للنظر في قطاع الاتصالات، ذلك القطاع الذي لطالما أحاطته الشبهات منذ ولادته.

ماذا في "الملف الأسود"؟

بحسب ما كشفه باسيل، يتضمن الملف مخالفات مالية جسيمة في عقود الاتصالات، تجاوزات في التلزيمات، وصرفاً غير مبرّر لمبالغ طائلة. الرقم وحده كافٍ ليثير الدهشة: مليار دولار مهدور، في بلد يعجز فيه الناس عن دفع فاتورة كهرباء أو شراء دواء. باسيل يصرّ على أن الأدلة التي بين يديه قادرة، لو وُجدت الإرادة السياسية، على فتح مسار قضائي كامل ومحاسبة المسؤولين.

لماذا يفتح الآن؟

الملف لم يتحرك منذ 2009، لكن إنشاء لجنة تحقيق برلمانية جديدة أعاد الأمل بإحيائه. باسيل يقول إنه سلّم الملف إليها "بموجب صلاحياتها"، متمنيًا أن تُطلق تحقيقًا طال انتظاره. مصادر نيابية تحدثت عن جلسات مغلقة ستعقد قريبًا لدراسة الوثائق، فيما يترقب الرأي العام بقلق: هل سيكون هذا الملف بداية محاسبة حقيقية، أم مجرد ورقة إضافية تُطوى في دفاتر السياسة اللبنانية؟

ردود الفعل الأولية

الإعلان أحدث صدى واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية.

الكتل المعارضة رأت في خطوة باسيل محاولة "للقفز إلى الأمام" وتحويل الأنظار عن ملفات أخرى يُتهم بها، لكنها في الوقت نفسه طالبت اللجنة بأخذ الملف على محمل الجد، لأن "الحقيقة، مهما كان مصدرها، تستحق أن تُكشف".

قوى موالية دافعت عن موقف باسيل معتبرةً أنه "كسر جدار الصمت" وأعاد النقاش إلى أصل المشكلة، أي الفساد البنيوي في قطاع الاتصالات، داعيةً القضاء إلى التحرك "بعيدًا عن التسييس".

في الإعلام، انقسمت التغطيات بين من وصف الخطوة بـ"الاستعراض السياسي"، ومن اعتبرها "مبادرة شجاعة" قد تفتح الباب لمساءلة غير مسبوقة. شبكات التواصل الاجتماعي اشتعلت بتعليقات متناقضة، بعضهم رأى في الأمر محاولة متأخرة لغسل اليدين، فيما رأى آخرون أنّ مجرد طرح الملف الآن يشكّل صدمة إيجابية للرأي العام.

البعد السياسي

لا يمكن فصل الملف عن السياق الأوسع: لبنان بلد غارق في الانهيار الاقتصادي، تغلّفه شبكة مصالح طائفية وسياسية متشابكة. أي تحقيق في ملف فساد ضخم يعني بالضرورة الاصطدام بحيتان المال والسلطة. ولذلك، يرى مراقبون أن لجنة التحقيق البرلمانية أمام اختبار صعب: إما أن تُثبت جديتها، أو أن تُضاف إلى لائحة اللجان التي شكّلت لامتصاص الغضب الشعبي ثم تلاشت في هوامش النسيان.

حتى اللحظة، لم يصدر تعليق رسمي من وزارة الاتصالات أو من القضاء. لكن في الأوساط الإعلامية، يتداول كثيرون تساؤلات حول إمكانية تحريك الملف هذه المرة، في ظل ضغوط دولية وإصلاحية متزايدة على لبنان.

بيروت تايمز: الضمير في مواجهة الحقيقة

في النهاية، ما يطرحه الملف الأسود ليس فقط أرقاماً وأدلة، بل أسئلة أعمق:

هل نملك شجاعة مواجهة أنفسنا؟ هل نستطيع أن نرى في كل ليرة مهدورة قوت طفل، دواء مريض، ومستقبل وطن كان يمكن أن يكون أفضل؟

الملف الأسود ليس مجرد وثيقة. إنه مرآة، تعكس وجهاً للبنان لا يريد كثيرون أن يروه.

لكن بيروت تايمز تضعه في صلب مسؤوليتها التحريرية، لتذكير من نسي أن الحقيقة لا تموت، وأن الضمير قد يغفو لكنه لا يموت.

فهل يستيقظ هذه المرة؟ وهل يقول اللبنانيون بصوت واحد: كفى؟

 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment