التطمينات يجب أن تُؤخذ من خطاب القسم والبيان الوزاري
السلطة السياسية يجب أن تعطي فرصة للدولة اللبنانية وللجيش اللبناني
بيروت - بيروت تايمز - اجرت الحوار منى حسن
في زمنٍ تتشابك فيه الولاءات وتُختزل فيه الأصوات، تبرز الدكتورة منى فياض كواحدة من أبرز الشخصيات اللبنانية التي اختارت أن تكتب خارج السطر، بصوتٍ نقدي مستقل يجمع بين العمق الأكاديمي والجرأة السياسية. أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية، والحاصلة على الدكتوراه من جامعة باريس، لم تكتفِ بالبحث العلمي، بل خاضت غمار العمل العام من بوابة الفكر والموقف، فكانت من مؤسسي حركة التجديد الديمقراطي عام 2001، وشغلت عضوية لجنتها التنفيذية حتى عام 2010، قبل أن تعود إليها نائبة للرئيس في الانتخابات الداخلية الأخيرة.
في حوار خاص مع بيروت تايمز، وصفت فياض زيارة الموفدين الأميركيين توماس براك ومورغان أورتاغوس إلى لبنان بأنها "إيجابية وتحمل دلالات استراتيجية"، معتبرة أنها تعكس اهتمامًا أميركيًا متجددًا بالملف اللبناني، وتؤكد أن "من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على لبنان كونه مركزًا استراتيجيًا يتميز بالحريات وانفتاح شعبه على الآخر". واستشهدت ببناء أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط على الأراضي اللبنانية، معتبرة ذلك "رسالة واضحة ومهمة".
وأضافت فياض أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قبل انتخابه، زار الجالية اللبنانية في ولاية ميشيغن والتقى عددًا كبيرًا من المغتربين، حيث وعدهم بالعمل على نشر السلام في لبنان، ما يعكس بحسب رأيها "وجود اهتمام أميركي شعبي ورسمي بالهوية اللبنانية ودورها الإقليمي".
وعن زيارة براك الأخيرة، أكدت فياض أنها جاءت في توقيت حساس، خصوصًا بعد أن وضع المسؤولون اللبنانيون ملاحظاتهم على الورقة الأميركية، وأبرزها ضرورة أن تبادر إسرائيل بخطوات عملية تجاه لبنان. وقالت: "باراك يعطي دائمًا إشارات إيجابية خلال زياراته، وهي رسائل يجب التقاطها بوعي سياسي".
في المقابل، انتقدت فياض زيارة رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني إلى بيروت، ووصفتها بأنها "غير موفقة ولا حكيمة"، رغم أنه جاء "لينصح اللبنانيين بالحكمة"، معتبرة أن مضمون الزيارة لم ينسجم مع رسالتها المعلنة.
الدكتورة منى فياض والاعلامية منى حسن
وإلى تفاصيل الحوار...
بيروت تايمز: كيف تقيمين زيارة توماس براك ومورغان أورتاغوس إلى لبنان؟
ج: الزيارة كانت إيجابية إلى حدّ كبير، خصوصاً بعدما قدّم المسؤولون اللبنانيون ملاحظاتهم على الورقة الأميركية. هذه الملاحظات شددت على ضرورة أن تقوم إسرائيل بخطوات عملية ملموسة تجاه لبنان. ومع أن الجو العام يوحي بتفاؤل نسبي، إلا أن العقدة الأساسية تبقى في الموقف الأميركي الذي لا يبدو مستعداً للضغط الجدي على تل أبيب لدفعها نحو تنفيذ الالتزامات المطروحة.
بيروت تايمز: هل هناك مؤشرات على تجاوب إسرائيل مع الورقة الأميركية؟
ج: إسرائيل أعلنت أكثر من مرة أنها لا تريد البقاء في الجنوب اللبناني، بل أبدت استعداداً للانسحاب حتى من النقاط الخمس العالقة. لكنّها تربط هذا الانسحاب بخطوات عملية من جانب الدولة اللبنانية، أبرزها ضبط السلاح غير الشرعي. لذلك، ورغم الإيجابية الظاهرة، يبقى التنفيذ مرتبطاً بمدى تجاوب بيروت مع هذه الشروط.
بيروت تايمز: كيف تصفين موقف واشنطن من هذا الملف؟
ج: الموقف الأميركي متحفظ. الولايات المتحدة، رغم تصريحات شخصيات مثل مورغان أورتاغوس التي شددت على دعم استقرار لبنان، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات ضاغطة على إسرائيل. لبنان اليوم ينتظر الرد الإسرائيلي، لكن تل أبيب قادرة إن أرادت على تجاهل هذه الورقة بالكامل.
بيروت تايمز: هل هناك قلق داخلي من التطورات الأخيرة؟
ج: نعم، هناك قلق واضح داخل الشارع الشيعي حيال مسألة حصرية السلاح ومستقبل دوره في الدولة. لكن هذه الهواجس تمّت معالجتها جزئياً عبر تطمينات رسمية؛ سواء في خطاب القسم للرئيس جوزاف عون الذي حظي بتأييد وطني واسع، أو في البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام التي نالت ثقة البرلمان، بما في ذلك الكتل الشيعية الكبرى.
بيروت تايمز: هل ترين أن القوى الشيعية تمنح الدولة فرصة حقيقية للقيام بدورها؟
ج: المطلوب أن تعطي القوى السياسية الشيعية، التي تمتلك ثقلاً انتخابياً واسعاً، فرصة للدولة اللبنانية وللجيش للقيام بمهامهما. فلبنان يملك شبكة دعم دولية واسعة، تتصدرها فرنسا لأسباب تاريخية ومصلحية مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، إلى جانب اهتمام أميركي متجدد بالاستقرار اللبناني.
بيروت تايمز: ما هو موقفكم من سلاح حزب الله؟
ج: منذ عام 2000 ونحن، كمعارضين شيعة، نطالب حزب الله بتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية. أما قضية مزارع شبعا فيمكن حلها بطرق عديدة ودبلوماسية، ولا يجب أن تبقى ذريعة لاستمرار السلاح خارج إطار الشرعية.
بيروت تايمز: كيف تقيمين أداء الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام؟
ج: الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام يطرحان خطابًا إصلاحيًا طالما انتظره اللبنانيون. سلام شخص نظيف ونزيه ويحظى بقبول واسع، لكن التحدي الحقيقي يكمن في الدولة العميقة حيث ما زالت مجموعات نافذة تتحكم بالقرار وتحتفظ بتحالفاتها القديمة مع حزب الله.
بيروت تايمز: هل السلطة السياسية الجديدة قادرة على مواجهة الفساد؟
ج: يمكنها ذلك إذا تبنّت نهجًا جذريًا. لا يكفي إعلان رفض السلاح غير الشرعي؛ يجب أن تبدأ بمحاربة الفساد المتغلغل في الإدارات العامة منذ أربع عقود. لدينا أزمات يومية خطيرة: أدوية مزورة، مياه ملوثة، وأطعمة بلا رِقابة. هذه المشكلات تحتاج إلى قرارات سريعة وإصلاح جاد يبدأ من القضاء ونفض الجهاز القضائي ومحاسبة القضاة المتورطين.
بيروت تايمز: ماذا تحتاج السلطة الجديدة لتحقيق هذا التغيير؟
ج: تحتاج إلى دعم "أصحاب الأيادي البيضاء" في الدولة اللبنانية، وإلى تفعيل دور القضاء بشكل جدي. التأخير الحالي في المحاسبة مفهوم إلى حد ما بسبب حجم التراكمات، لكن لا مجال لإضاعة الفرص أكثر.
بيروت تايمز: كيف تنظرين إلى زيارة علي لاريجاني الأخيرة إلى لبنان؟
ج: الزيارة لم تكن موفقة ولا حكيمة. لقد ولى الزمن الذي كان فيه المسؤولون الإيرانيون يدخلون لبنان عبر المسارات العسكرية من دون دعوة رسمية أو إعلان. اليوم تغيّرت المعادلة، وأصبحت اللقاءات الرسمية أكثر صرامة في وضع حدود السيادة اللبنانية. هذا التحول يظهر إدراكاً متزايداً بأن خضوع حزب الله للأوامر الإيرانية بحرفية، في ظل أزمة داخلية إيرانية، قد يقود الحزب إلى خسارة ما تبقى له من الغطاء الشعبي.
بيروت تايمز: كيف تقيّمون خطاب الشيخ نعيم قاسم الأخير؟
ج: الخطاب الأخير للشيخ نعيم قاسم زاد التوتر الداخلي إلى مستويات خطيرة. التهديدات باستخدام السلاح ضد الداخل اللبناني، والتلويح بموت لبنان، تخدم العدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى. إذ إن أي حرب أهلية أو انفجار داخلي لن يكون سوى هدية مجانية لإسرائيل، بينما يواصل الحزب الزعم بقدرته على "القضاء على إسرائيل في ساعات" من دون أن يوجّه سلاحه نحوها.
بيروت تايمز: ما هي كلمتكم الأخيرة للبنانيين في هذه المرحلة الدقيقة؟
ج: "أتمنى أن يتحلّى اللبنانيون جميعاً، بمختلف انتماءاتهم، بالشجاعة الكافية لوضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار حزبي أو طائفي. ما نحتاجه اليوم هو دولة قوية عادلة تحتضن أبناءها وتفرض سيادتها على كامل أراضيها.
أتمنى أن نمنح مؤسساتنا الرسمية، الجيش والقضاء والحكومة، فرصة حقيقية للعمل بعيدًا عن الضغوط الداخلية والخارجية. لبنان يمتلك من الطاقات البشرية والدعم الدولي ما يكفي للنهوض مجدداً، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا اجتمعنا على كلمة سواء: دولة واحدة، سلاح واحد، وعدالة واحدة. أملي أن نرى قريباً لبناناً مستقراً مزدهراً، يليق بتضحيات شعبه وتاريخه العريق".
Comments