تحليل اخباري وسياسي خاص لـ بيروت تايمز
بيروت – منى حسن – بيروت تايمز
وسط إجراءات أمنية مشددة للغاية، رافقت عملية تسليم السلاح الفلسطيني إلى الجيش اللبناني، شهد مخيم برج البراجنة انتشاراً واسعاً لعناصر مخابرات الجيش اللبناني منذ ساعات الصباح، بالتوازي مع دخول آليات عسكرية إلى شوارع المخيم مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح، التي يجري تنفيذها بالتنسيق الكامل مع اللجنة الأمنية الفلسطينية.
“بيروت تايمز” واكبت هذه الخطوة التاريخية التي تمثل تحوّلاً بارزاً في مسار العلاقة اللبنانية–الفلسطينية. وأكدّت مصادر فلسطينية مطلعة للصحيفة:
“نحن مع أي قرار تصدره قيادتنا السياسية، وكل السلاح الثقيل والمتوسط في المخيمات الفلسطينية سيسلَّم تباعاً إلى الجيش اللبناني، فيما لن يشمل هذا القرار في الوقت الراهن الأسلحة الفردية التي تبقى لحماية الأمن الداخلي للمخيمات”.
تفاصيل العملية الميدانية
مع حلول ظهر الخميس، بدأت القوات العسكرية تنفيذ الخطة التي كان من المقرر أن تبدأ في يونيو/حزيران الماضي، لكن التطورات الإقليمية، ولا سيما الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، أدت إلى تأجيلها.
مصادر أمنية أكدت لـ“بيروت تايمز” أن الجيش اللبناني تسلّم دفعات أولى من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة من مخيم برج البراجنة، في أجواء هادئة وبتنسيق كامل مع الجهات الفلسطينية. وأضافت المصادر أن العملية تُنفّذ بخطوات مدروسة لتفادي أي توترات أو اضطرابات.
من جهته، أوضح مصدر فلسطيني في بيروت لـ“بيروت تايمز” أن عملية سحب السلاح ستبدأ من مخيمات بيروت، ثم تمتد إلى البقاع والشمال والجنوب. وأضاف المصدر:
“الوضع حالياً هادئ داخل المخيم، وهناك التزام واضح بالاتفاق، إذ تم تجميع الأسلحة مسبقاً لتسليمها وفق الآلية المتفق عليها مع الجانب اللبناني. نأمل أن تمر العملية بسلاسة وتُترجم على أرض الواقع بما يحقق الاستقرار للجميع”.
بيان لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني
في موازاة التطورات الميدانية، أصدر رئيس لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني، السفير رامز دمشقية، بياناً أعلن فيه:
“ستبدأ اليوم المرحلة الأولى من مسار تسليم الأسلحة من داخل المخيمات الفلسطينية، انطلاقاً من مخيم برج البراجنة في بيروت، حيث ستُسلَّم دفعة أولى من السلاح وتُوضَع في عهدة الجيش اللبناني. وستتواصل عملية التسليم على دفعات أخرى في الأسابيع المقبلة داخل المخيم نفسه وفي باقي المخيمات”.
وأشار البيان إلى أن هذه العملية تأتي تنفيذاً لمقررات القمة اللبنانية–الفلسطينية التي انعقدت في 21 أيار/مايو 2025 بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، والتي أكدت على سيادة لبنان على كامل أراضيه وحصرية السلاح بيد مؤسسات الدولة. كما شدّد البيان على أنّ الاجتماع المشترك للجنة الحوار في 23 أيار/مايو، برئاسة رئيس الوزراء نواف سلام، وضع آلية تنفيذية واضحة وجدولاً زمنياً لضمان نزع السلاح الفلسطيني تدريجياً وبصورة منظمة.
تفاهمات سياسية وأبعاد استراتيجية
وكانت القمة اللبنانية–الفلسطينية في بيروت قد أكدت التزام الطرفين بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وإنهاء أي مظاهر مسلحة خارج إطارها، مع احترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه. كما شدّد عباس وسلام على أنّ الفلسطينيين في لبنان “ضيوف ملتزمون بالقوانين اللبنانية ورافضون للتوطين ومتمسكون بحق العودة”، مع الاتفاق على تشكيل لجنة تنفيذية مشتركة لمتابعة تطبيق هذه التفاهمات.
وبحسب مصادر متابعة لـ“بيروت تايمز”، فإن تأجيل العملية في يونيو الماضي جاء نتيجة التصعيد الإقليمي، لكن الحكومة اللبنانية أعادت تفعيل الخطة في جلسة مجلس الوزراء في 5 آب/أغسطس الجاري، حيث كلّفت الجيش اللبناني بوضع خطة تطبيقية تنتهي قبل نهاية العام 2025.
خريطة الطريق المقبلة
الخطة الموضوعة تتوزع على ثلاث مراحل أساسية:
-
المرحلة الأولى: تسليم السلاح الثقيل والمتوسط في مخيمات بيروت.
-
المرحلة الثانية: الانتقال إلى مخيمات البقاع والشمال.
-
المرحلة الثالثة: تشمل مخيمات الجنوب، وصولاً إلى إنهاء ملف السلاح الفلسطيني بشكل كامل.
ويُتوقع، وفق تقديرات أمنية وسياسية، أن تُسهم هذه الخطوة في تعزيز سلطة الدولة اللبنانية وترسيخ الأمن الداخلي، بما يفتح الباب أمام تعاون لبناني–فلسطيني أوسع لضمان استقرار المخيمات ومحيطها.
انعكاسات الخطوة داخلياً وخارجياً
انطلاق عملية نزع السلاح الفلسطيني وتسليمه إلى الجيش اللبناني يُعدّ تحولاً مفصلياً على المستويين السياسي والأمني. داخلياً، ستمنح هذه الخطوة الدولة اللبنانية فرصة حقيقية لبسط سيادتها الكاملة على أراضيها وتعزيز هيبة مؤسساتها الأمنية، وهو ما سينعكس إيجاباً على ثقة المواطنين والمجتمع الدولي بالدولة اللبنانية. كما أنها قد تُسهم في خفض التوترات داخل المخيمات الفلسطينية وبينها وبين محيطها اللبناني، إذ تضع حداً لاستخدام هذه المخيمات كبؤر نزاع أو نقاط ضغط سياسية وأمنية.
على الصعيد الإقليمي، تعكس هذه الخطوة توافقاً لبنانياً–فلسطينياً مدعوماً بتفاهمات عربية ودولية، خصوصاً في ظل التحديات الأمنية التي فرضتها التطورات في المنطقة، ومنها الحرب الإسرائيلية–الإيرانية. ويرى مراقبون أن هذه العملية قد تُعيد رسم التوازنات الأمنية في لبنان وتُقلّص من إمكانية استغلال بعض القوى الإقليمية للسلاح الفلسطيني كورقة نفوذ، ما يعزز موقع لبنان في أي مفاوضات أو تسويات مقبلة.
أما دولياً، فسيُنظر إلى هذه الخطوة على أنها مؤشر جدّي على التزام لبنان بتعزيز سيادة الدولة وحصرية السلاح بيدها، ما قد يفتح الباب أمام دعم سياسي ومالي أكبر من المجتمع الدولي، سواء لدعم الجيش اللبناني أو لتحسين الأوضاع الإنسانية والاجتماعية في المخيمات الفلسطينية.
Comments