الرياض – المملكة العربية السعودية – بيروت تايمز - حاورتها منى حسن
الإعلامية اللبنانية أميرة عباس، التي تواكب دائما قرّاء بيروت تايمز اينما حلوا بحضورها المهني المتنوع، حائزة على إجازة في العلوم السياسية والإدارية من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. أما مهنياً، فلقد تدرّجت في العديد من الاختصاصات الإعلامية من السياسة إلى الفن، بين الصحافة المكتوبة – الورقية والإلكترونية – والإذاعية والتلفزيونية، من تحرير الأخبار ثم رئيسة تحرير، إلى جانب عملها كمراسلة صحفية. كما برزت في إعداد البرامج وتنسيق الإنتاج ومجال الاستشارات الفنية والتسويق الإعلامي على مدار عشرين عاماً لغاية اليوم.
خلال فترة تدريبها في السنوات الأولى من العمل في الصحافة، كانت تعمل في مجال الموارد البشرية. لكن العمل الإداري المكتبي لم يكن يوماً شغفها، وهنا اكتشفت أن الإعلام هو طريقها الحقيقي، رغم التحدي وجرأة القرار الذي اتخذته حينذاك في استقالتها من "وظيفة مضمونة" مثلما يُقال. إلّا أنها كانت مصرة على تحويل حلمها إلى طموح ملموس، وتحدّت كل من حولها لتبدأ بمسيرتها في الإعلام، وفي داخلها يقين أن قرارها كان صائباً.
بالنسبة لمشاريعها الحالية، فهي تعمل الآن رئيسة تحرير لموقع أغاني أغاني (تابع لتلفزيون وإذاعة أغاني أغاني في لبنان)، ولديّها عملها الخاص ليس فقط في مجال الإعلام إنما الترفيه عامة لاسيما في الاستشارات الفنية والتسويق الإعلامي ومقيمة حالياً في الرياض حيث تفتح المملكة العربية السعودية أبوابها راهناً لكل العرب لاسيما في مجال الترفيه.
وإلى تفاصيل الحوار:
بيروت تايمز: هل كانت هويتك كأمرأة لبنانية حاضرة في اختياراتك المهنية منذ البداية؟
■ بالطبع، أنا لبنانية الهوى وعربية الجذور وكم أعتز بذلك وأحرص في كل إطلالاتي منذ بداياتي أن أُقدّم نموذجاً مُشرّفاً عن الإعلامية اللبنانية.
بيروت تايمز: ما الذي تغيّر فيكِ بين أول ظهور إعلامي لكِ واليوم؟
■ هذا سؤال مهم جداً، ولا أخجل من القول بأنني أعمل على تطوير نفسي كل يوم وحينما أشاهد ظهور إعلامي قديم لي وأعود لأشاهد لقاء حديث ألمس هذا التطوّر وأعيش حالة من النقد الذاتي، وأكثر ما تغيّر في هذا الشأن هو ثباتي الإنفعالي أمام الكاميرا فأصبحت أكثر إرتياحاً وأقل إرتباكاً فضلاً عن أنّ حضوري الذهني أصبح أكثر قوة عن السابق.
بيروت تايمز: في لقاء سابق، تحدثتِ عن "المرأة التي توازن المستحيل بذكائها"—هل ترين نفسك في هذه العبارة؟
■ بالتأكيد أرى نفسي في هذه العبارة، فهي من تأليفي الشخصي وكتبتها على صفحتي الخاصة بعنوان "خواطري المبعثرة" على فيسبوك واستذكرتها في هذا اللقاء، وهي إنعكاس من تجربتي الحياتية، والدافع وراء قولي لهذه العبارة هو التأكيد على أنّ المرأة تستطيع أن توازن بين نقيضين ألا وهما القوة والرقة وذلك من خلال ذكائها.
بيروت تايمز: كيف توازنين بين الأنوثة والاستقلالية في طرحك الإعلامي؟
■ في المشهد الإعلامي الحديث، تواجه الإعلاميات تحديًا مزدوجًا: المحافظة على حضورهن الأنثوي، دون أن يُساء فهمه على أنه ضعف، وفي الوقت ذاته إبراز استقلاليتهن الفكرية والمهنية دون أن يُنظر إليهن كمن يتخلين عن هويتهن الأنثوية. الأنوثة ليست ضعفًا، والاستقلالية ليست قسوة. لذلك، إنّ الإعلامية الناجحة اليوم هي من تستطيع أن تكون قوية دون أن تتخلى عن رقتها، ومهنية دون أن تخفي أنوثتها. فالتوازن ليس في الشكل، بل في النضج الفكري والحضور الإنساني.
يتحقق هذا التوازن بين الأنوثة والاستقلالية في الطرح الإعلامي من خلال الهوية أولًا حيث يجب على الإعلامية أن تدرك أن الأنوثة ليست نقيضًا للاستقلالية، بل هي جزء من الهوية المتكاملة، ويمكن أن تكون مصدر قوة وتأثير. وثانياً من خلال اللغة والصوت أي باستخدام لغة قوية وواضحة دون عدوانية، ونبرة صوت هادئة لكن واثقة. وثالثاً بالمظهر المهني بمعنى اختيار مظهر يعبّر عن الذوق الشخصي مع احترام طبيعة المحتوى والجمهور، دون الانزلاق إلى الابتذال أو التنميط. ورابعاً المحتوى لأنه الأساس أي الثبات على جودة المحتوى، والبحث، والتعمق في المواضيع، وهو ما يعزز الاستقلالية أكثر من أي شيء آخر.
بيروت تايمز: هل ترين أن الإعلام العربي منصف في تمثيله لقضايا المرأة، أم ما زال يفتقر للعمق؟
■ للأسف رغم كل التطوّر الذي نصل إليه اليوم إلّا أنّ الإنحدار الأخلاقي الذي يعاني منه مجتمعنا وافتقاد القيم والمبادئ مع الأزمات السياسية والإقتصادية التي تنسحب وتنعكس على المشهد الإعلامي ككل، أصبحنا نسمع أبواق وطبول تفيد بعض الأطراف لمصالح شخصية أو نشاهد محتوى غير لائق بثقافة الشعوب العربية، وبالتالي لا زال الإعلام العربي يفتقر للعمق في تمثيل قضايا المرأة وهنا لا بد من التنويه أنّ دور الإعلام يجب ألا يتوقّف فقط على عرض مشاكل المرأة إنما على التوعية وإيجاد الحلول الملائمة لأنّ الإعلام هو سلطة رابعة ولديه مهمة كبيرة في هذا الإطار المجتمعي. وهذا ما نفتقده راهناً. كما يجب على الإعلامي أن يتحرر من قوقعة تنشئته الإجتماعية كي يصل صوته النابض إلى الجمهور كرسالة فكرية سامية كي يكتمل الدور الإعلامي في تمثيل جميع القضايا ومنها قضايا المرأة.
بيروت تايمز: ما هي أكثر رسالة وصلتك من متابع أثّرت بكِ وغيرت نظرتك؟
■ تصلني عدة رسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي بشكل يومي ومع هذا السؤال أتذكّر منها رسالتيْن، الأولى رسالة تهكّمية من أحد الشبّان الذي اعتبر أنّني مغرورة ولا أتواصل إلا مع النجوم والمشاهير كما وصف عملنا بعبارة "التسلية" وذلك لأنني لا أجيب على رسائله، ورسالته استوقفتني لما يعتبره كُثر أنّ العاملين في مجال الإعلام يشعرون بالرفاهية ولا يدركون أنّنا نصنع الترفيه لكن قلّما نعيشه! والرسالة الثانية من فتاة كتبت لي ذات مرة أنها تستمد الطاقة الإيجابية من كتاباتي وهنا أصبحتُ أتردّد كلما شعرت بأنني أكتب خواطر تضمّن بعض السلبيات كي لا تصل هذه الذبذبات السلبية إلى القرّاء.
بيروت تايمز: لو طُلب منكِ تقديم برنامج مخصص لتمكين النساء في لبنان، كيف سيكون شكله؟
■ سيكون شكله حتماً ضمن إطار خصوصية السياق اللبناني وتنوعه الثقافي والاجتماعي كي يكون منصة إعلامية تُسلّط الضوء على قضايا، إنجازات، وتحديات المرأة اللبنانية، وتعمل على تمكينها من خلال التوعية، القصص الواقعية، والتحفيز المجتمعي. وذلك كي يهدف إلى: المشاركة أكثر في العمل السياسي، العمل على القضايا الشائكة مثل منح الجنسية لأطفالها إن كانت متزوجة من أجنبي، العنف ضد النساء، تعديل قانون الأحوال الشخصية رغم أنه موضوع معقد لأنه مرتبط بتعدد الطوائف إلا أنّ الطلاق والحضانة في هذا القانون تتخلله ثغرات جمة تظلم المرأة اللبنانية ومجحفة في حقها وغيرها... وبذلك سيصبح هذا البرنامج اللبناني نموذجاً يُحتذى به عربياً.
بيروت تايمز: ما الذي يحتاجه الإعلام النسائي اليوم ليكون أكثر تأثيرًا وأقل استهلاكًا؟
■ يحتاج دور رقابي من الجهات المعنية في وزارة الإعلام وغيرها، إلى جانب إلتحاق الإعلاميين إلى دورات تدريبية بشكل دوري حيث تُعنى بتثقيفهم في هذا المجال. فضلاً عن عدم فرض إدارات وسائل الإعلام على الإعلاميات مواضيع معينة تهدف فقط إلى زيادة عدد المتابعين دون الإهتمام بالمحتوى اللائق والذي يخدم الإعلام النسائي.
بيروت تايمز: كيف تتعاملين مع النقد، خاصة حين يكون موجّهًا لشخصك وليس لعملك؟
■ إن كان نقداً بنّاءاً أتقبّله بالطبع فكيف لي أن أكون صحافية وأكتب مقالات نقدية عن الآخرين دون أتقبّل ذلك على نفسي أولاً. لكن لا أقبل بالتجريح والإهانة إن كان النقد موجّهاً لشخصي وليس عملي. وإن كان كذلك فطبعاً لا أعيره أي إهتمام كي لا أهدر طاقتي وأستنزفها بما لا يجدي نفعاً على الإطلاق.
بيروت تايمز: هل هناك لحظة ضعف إعلامية مررتِ بها، وكيف تجاوزتها؟
■ بالطبع، خاصة في بداية مسيرتي كلما كان يُقفل باب أمامي كنت أشعر بأنّه لا فرصة لدي في هذا المجال لكن شغفي المهني مع الإصرار والمثابرة والسعي والإلتجاء إلى الله ساعدني على تجاوز كل تلك المراحل لحين وصلت إلى مرحلة الشفاء الروحي والتوازن النفسي رغم كل التخبطات المهنية.
بيروت تايمز: ما الذي يحرّك قلمك أكثر: الغضب أم الحنين؟
■ الصحافي والإعلامي بشكل عام بطبعه غالباً ما يكون مزاجي، خاصة في ظل تقلّبات هذه المهنة وعدم الاستقرار فيها إلى جانب إنعكاساتها السلبية المعروفة على سبيل المثال بعبارة "عوارض المهنة" أي الأمراض، وهذا التقلّب المزاجي يجعل قلم الصحافي متحرّكاً ما بين الغضب تارة والحنين تارة أخرى، لكن الأمر يختلف بنوعية المقال الذي يكتبه أو الحلقة التي يُعدها في برنامج ما حيث لا بد من أن يكون موضوعياً إن أراد كتابة مقالاً نقدياً بعيداً عما يسمى بالنقد الإنطباعي وهو نقيض النقد الموضوعي، أما إن كان سؤالك حصراً عن الكتابات الحرّة مثل الخواطر التي أكتبها فأحياناً يُحرّكها غضبي من الوضع العام أو الخاص وأحياناً أخرى الحنين إلى الوطن في غربتي وغيرها من الظروف التي تمر على أي إنسان، وهنا أود التنويه بأنّ قلمي أعتبره بمثابة علاج نفسي لتفريغ الطاقة السلبية وترميم الذات وتحويل سلبيات الحياة إلى مساحة للتعبير بشكل إيجابي.
بيروت تايمز: أين ترين نفسك بعد خمس سنوات؟ هل في الإعلام، أم في مكان آخر؟
■ سأكون شفافة جداً في الإجابة كي أقول أنّ "الصحافة ما بتطعمي خبز" والإعلام عامة مدخوله المادي غير مستقر بتاتاً وفي مرحلة عمرية معينة يصبح الإنسان مضطراً للتفكير بتأمين مستقبله القريب، لذلك أرى نفسي بعد خمس سنوات لا زلت في الإعلام وإلى جانبه أي عمل آخر خاص يؤمّن لي حياة كريمة دون الإكتفاء بمجال الإعلام فقط لكن إن لبّى هذا العمل شغفي وأفاد من خبرتي الإدارية كإدارة فريق مثلاً وتنسيق الأعمال والعلاقات العامة.
بيروت تايمز: ما هي الرسالة التي تتمنين أن تبقى خالدة باسمك؟
■ الإعلامية اللبنانية ليست مجرّد إمرأة جميلة فقط إنما هي تلك الأنثى الجميلة قلباً وقالباً تُعافر لا لتنجح فقط بل لتتميّز فالتميّز هو سر النجاح.
بيروت تايمز: لو طلبنا منكِ تقديم نصيحة لفتاة تحلم أن تكون إعلامية، ماذا تقولين لها؟
■ تعلّمي الكثير والكثير واغرفي من العلم والثقافة قدر ما استطعتِ في كافة المجالات، وتذكّري أنّ الإعلام نمط حياة ومن صلب شخصيتك وليس مجرّد مهنة تقليدية، وثابري وتحلّي بالصبر حتى لو وقف العالم كله ضدك وحتى إن كان اليوم ليس لكِ فالغد القريب البعيد سيكون لكِ بإذن الله، ولا تنحدري في طريق المغريات ولا تستسهلي هذا المشوار وتذكّري أنّك في يوم ما ستقفين أمام مرآتكِ وكلَك فخر واحترام لذاتكِ.
بيروت تايمز: كلمة لقراء بيروت تايمز
■ أتوجّه بتحية محبة، تقدير وإحترام لكل قراء بيروت تايمز والعاملين فيها على آمل أن تبقوا في الطليعة والصدارة على الدوام.
Comments