السفير الدكتور هشام حمدان
ما يحصل في سورية، يثير قلقًا شديدًا لدى كل من يتابع تطورات الأحداث في الشرق الأوسط. سورية تتجه سريعًا نحو حالة مماثلة للحالة التي عاشها لبنان في سبعينيات القرن الماضي حين ظهرت الانقسامات الداخلية ثم تحولت إلى حرب أهلية. دفع لبنان في حينه ثمنًا باهظًا للتدخل السوري المدعوم عربيًا في شؤونه حين فُرض تحويل الساحة اللبنانية إلى ساحة حرب مفتوحة مع إسرائيل بحجة العروبة وتحرير فلسطين.
يبدو أن سورية تعاني حاليًا من الضغوط التركية المدعومة من بعض دول الخليج والأردن تحت عنوان مذهبي ديني (إخواني) بحجة مواجهة التمدد الإسرائيلي. وقد بدأت الأقليات المذهبية تدفع الثمن، وتحول الدروز في جنوب سورية إلى حالة موارنة لبنان في حينه. دفع لبنان ثمنًا باهظًا وما زال، ودفع العرب أثمانًا باهظة وما زالوا.
فالصراع مع إسرائيل، سواء كان ببعد أيديولوجي أو مذهبي، ليس صراعًا مع دولة وجماعة ومنظومة سياسية، بل هو صراع مع منظومة دولية ترسخت جذورها في إطار نظام عالمي ثابت تدعمه قوى عالمية جبارة وترفعه نظم اقتصادية ومالية تمسك بمال العالم واقتصاده. نحن جزء من هذا النظام. نقيم روابط وعلاقات حيوية ومصيرية مع قواه الجبارة ونلتزم نظمه المالية والاقتصادية، ورغم ذلك نريد أن نقاومه بعين مغمضة، وعقل جامد، وقوة دفع صوت المآذن.
وما يحزننا أكثر، أن تعود فترتفع في لبنان أصوات الضحايا الذين دفعوا أثمانًا باهظة للصراع الإيديولوجي القومي الثوري العربي ضد تلك المنظومة من أجل فلسطين، لتدعو السوريين إلى السير في طريقهم ولو على حساب جثث أبنائهم وأحبائهم ودمار بيوتهم وتهجيرهم وسرقة ثرواتهم. وما يحزننا أكثر وأكثر أن تعود لغة التخوين ذاتها التي سادت بين اللبنانيين في حينه وكأننا لم نتعلم بعد من الجراح التي لم تشف كليًا حتى الآن.
سورية بلد عربي دفعنا قادته إلى آتون الحرب ولكنهم سرعان ما سقطوا في هذا الآتون. علينا مساعدتهم كي لا يقعوا في مصيبتنا. لا تركيا ولا العرب سيهتمون لمعاناتهم، فالجمر لا يحرق سوى مكانه. تركيا هي التي ستفوز بالجائزة على حسابهم. العرب سيدفعون ثمن الخراب وإعادة الإعمار. تركيا لن تدفع أي ثمن. فهي ملتزمة المنظومة الدولية كليًا، ومتحالفة مع الجبابرة، وتقيم علاقات مع إسرائيل، فلماذا هذه الصراعات الأهلية ولمصلحة من؟
هناك أقليات تريد الحفاظ على ثقافتها وهويتها الخاصة، وهذا حق من حقوق الإنسان لها، فلماذا المكابرة وعدم القبول بمنحها حقوقها المعترف بها دوليًا؟ لماذا لا يتم الاستجابة لحقها في أن تكون شريكًا كاملًا في السلطة وهي التي ساهمت بتحرير سورية واستقلالها من الاستعمار؟ واقع دروز سورية كواقع دروز لبنان. هم من صنعوا وشاركوا في صناعة استقلال البلاد ثم أصبحوا أقلية عددية محرومون من ممارسة قيادة في وطنهم.
ومن المؤسف أن ينجرف قادتهم في المشاركة بنزيف دمائهم ونزيف دماء أهاليهم من الجماعات الأخرى بدلًا من السعي إلى التنبيه لمخاطر الانزلاق في المأساة اللبنانية التي دفعوا ثمنًا لها نزفًا وخرابًا ودمارًا. قد يعتبر البعض أن المقيم في أميركا يتحدث بلسان إسرائيلي كما كتب بعض الذين يعتقدون أنهم من جهابذة الفكر والمعرفة، لكنهم في الواقع لا يعرفون أن من يكتب من أميركا يتحدث بلسان عقل متحرر من العروبة الجوفاء، والمذهبية المقيتة، ويخاف بصدق على أهله في وطنه الأم.
إلى وليد جنبلاط وطلال أرسلان ووئام وهاب وغيرهم نقول: حذرناكم من مغبة التدخل مع هذا وذاك في أحداث سورية. ما قد لحق وسيلحق من نتائج بعد تدخلاتكم سيشكل وصمة أبدية في أعناقكم.
Comments