كتبت المستشارة الأسرية نهله الضويحي
ثقل الحروب هي تلك التي لا يراها أحد... وتُخاض في صمت."
في حياة كل واحد منا لحظات يختار فيها الصمت بدل الكلام، والعزلة بدل المشاركة، والانسحاب بدل المواجهة. هناك من يظن أن هذا الصمت برود أو تكبّر، لكنه في الحقيقة صرخة مكتومة من قلبٍ مُثقل.
الشخص الذي لا يتكلم كثيرًا، ولا يشكو، ولا يفتح جراحه أمام الآخرين، ليس إنسانًا بلا مشاعر، بل هو غالبًا إنسان مرهف، تألم بما يكفي حتى ضاقت به الكلمات. لقد خذلته المواقف مرات عديدة، فبات يفضّل أن يلوذ بجدار صمته، بدل أن يشرح وجعه لمن قد لا يفهمه.
كم من مرة أطفأ نور قلبه ليلًا، واختار النوم هربًا من واقع لم يتصالح معه؟ كم من مرة داهمته الذكريات فجعلته ينفجر باكيًا وهو ساجد بين يدي الله، لأنه وحده يعلم حجم ما في داخله؟ هذه الدموع ليست ضعفًا، بل هي طهرٌ وتطهير، ومساحة أمان لا يجدها إلا في مناجاته.
لا أحد منّا يدرك المعارك التي يخوضها الآخرون في الخفاء. هناك معارك مع الذات، مع الماضي، مع الخيبات، ومع أحلام لم تكتمل. هناك أشخاص يبدون أقوياء في العلن، بينما أرواحهم تتفتت بصمت في الداخل. وهناك من يضحكون بصوت عالٍ كي يخفوا ارتجاف قلوبهم.
إن أعظم خطأ نرتكبه هو أننا نحكم على الآخرين من مظاهرهم فقط، دون أن نتأمل ما وراء هذا الهدوء أو الانسحاب. فالصمت ليس فراغًا، بل هو عالم كامل من الألم، من الحنين، ومن الأسئلة التي لا تجد إجابة.
نحن جميعًا نكافح بطريقتنا الخاصة لنصبح نسخًا أفضل من أنفسنا. قد نسقط وننهض، نضعف ونقاوم، ننطفئ ثم نحاول أن نتقد من جديد. لذلك، لا تلوموا من اختار أن يصمت، ولا تجرّحوا من آثر الانعزال، فربما هو في أمسّ الحاجة إلى حضنٍ آمن، أو كلمة طيبة تُشعره أنه ليس وحده.
كيف نتعامل مع الصامتين؟
الإنصات باهتمام: لا تفرضوا الكلام على من يلوذ بالصمت، لكن اجعلوه يشعر أنكم مستعدون لسماعه إن أراد البوح.
الاحتواء بلا أسئلة: أحيانًا يكفي أن تكونوا موجودين بجانبهم، دون استجواب أو إلحاح.
الكلمة الطيبة دواء: ابتسامة صادقة أو جملة دافئة قد تُنير قلبًا مُثقلًا.
ترك المساحة: بعض الأشخاص يحتاجون وقتًا وصمتًا ليعيدوا ترتيب دواخلهم. لا تُشعروهم بالذنب لعزلتهم.
الدعاء لهم: ما يعجز الإنسان عن منحه، يستطيع الله أن يُرسله رحمةً وسكينة.
فلنكن رحماء ببعضنا. فلنترك مساحة لتفهّم الآخرين قبل الحكم عليهم. ولنُدرك أن خلف كل صمت، حكاية لا يعلمها إلا الله.
"الصمت ليس غيابًا... بل لغة من يبحث عن النجاة."
Comments