bah فلسفة الولاء بين سياسة الغرب والعرب - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

فلسفة الولاء بين سياسة الغرب والعرب

08/31/2025 - 13:55 PM

Bt adv

 

 

 

د. خالد زغريت

 

يرتبط مفهوم الولاء السياسي في ممارسات الحاكمية العربية المعاصرة بالانتماء الأعمى لها ظالمة أو مظلومة. ولهذا العماء التطبيقي لفلسفة الولاء السياسي جذوره التاريخية العميقة. فقد نشأ في العصر الجاهلي انتماء عصبي للقبيلة يحفظ وجود الأفراد، ويكرس خضوعاً مطلقاً لقيادتها. وحين جاء الإسلام، سعى إلى نقل الولاء من الانقياد الأعمى لسلطة القبيلة، وأعرافها إلى مفهوم الانقياد إلى الجماعة الدينية وفق أسس ومبادئ تحقق صورة ناصعة من العدل والإخاء والتكافل.

لكن هذه المبادئ في الوقت عينيه تضمر عداء حاسماً للخصم الديني. وهو انتماء تنويري بحسب المعتقد الإسلامي، لأن الجماعة تخرج به من الظلمات إلى الأنوار. وتجد بذلك مسوغاتها في الانقياد لمفهوم الولاء بوصفه مناصرةً لقيم مثلى، تكفل حياة الإنسان وكرامته. وتحقق الفضائل الإنسانية العليا، ومُثُلها الأخلاقية.

يلتقى جوهر المفهوم الإسلامي للولاء بأفق مفهومه في فلسفة الغرب المعاصرة، ولا سيما عند أهم منظريه الكاتب الأمريكي "جوزايا رويس" مؤلف كتاب فلسفة الولاء الذي جعل الولاء محور الفضائل الإنسانية برمتها. وهو جوهر روح الأخلاق العاقلة وفق تعبيره، ويرى أنه " إذا تم قيام وحدة صحيحة بين الأخلاق، ونظرية فلسفية عن العالم الواقعي، تحققت وحدة الدين بالحياة العملية.

لقد عرِّف رويس الولاء بأنه "التفاني الإرادي العملي المستمر من قِبل فرد ما، تجاه قضية معينة. يعرف منها ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن يقوم به من الأفعال."

 ترى فلسفة "رويس" للولاء أنه" مبدأ أخلاقي، يدعو إلى تأسيس العالم الأخلاقي على مفهوم عقلي للولاء، وتمَحور الفضائل حول مفهوم واحد. يسهم في توضيح مشكلات العصر الأخلاقية، وينهي الصراع بين الولاءات التي تشكل اختلافات متوالدة.

 تجاهل مفكرو الغرب، وساستها نصاعة جوهر هذا المفهوم، واتجهوا بدافع العداء التاريخي للمسلمين بحصره بمفهوم تبلور في ثنائية الولاء والبراء على يد مجموعة غير قليلة من رواد الفكر الإسلامي العقدي. فجسد تفسيرها ثنائية الإقصاء و الاحتواء، بمعنى أدق انغلاق الجماعة على ذاتها، وتخندقها في عداء مطلق ضد خصومها.

 استغل مفكرو الغرب هذا التخندق في تفسير تطرف الجماعات الإسلامية وفق رؤاهم. وردوا ذلك إلى اعتماد هذه الجماعات على استعادتهم لسلفيتهم الإسلامية من غير انسجامها مع الزمان والمكان المختلفين في شتى بنى إنسانهما المعاصر.

 وفق هذه الرؤية فسّر الغرب ظواهر تعصب فئات من التيارات الإسلامية، وردها إلى انغلاق المسلمين على فكرة الولاء السلفي. فشكل الولاء بنظرهم عوائق جمة لقبولهم للعرب المسلمين، فدمغوهم بصفات الرجعية والتخلف والتطرف.

 وجدت الحاكمية العرب ضالة نفسية سلطوياً، في تعكّر فهم الغرب للولاء عند الشعوب العربية، فأفرطت في استثمارها السلطوي، وتفانت في تغذيتها، لتأجيج قلق الغرب من طموحات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية، فعملت هذه الحاكمية على ترويج مشروعيتها في لجم هذه الطموحات لأنها ستشكل غزوا متطرفاً للمجتمعات الغربية. تغرقها بالتخلف والإرهاب.

وبذلك ضمنت هذه الحاكمية قبول الغرب لـ ديكتاتوريتها، بوصفها طريقة مثلى لكبح تطلعات الشعوب العربية إلى الديمقراطية، وتقديم هذه الشعوب على أنها غير مهيئة لاستيعاب الديمقراطية وتوظيفها في الحكم.

 استثمرت هذه الحاكمية الذهنية الولائية العربية المختلطة بين الدين والقبلية، والمناطقية، والعرقية، وغذتها بإسراف، لتحفظ بقاء هذه الشعوب في تيارات متناحرة. تضمن السيطرة عليها. فكانت الذهنية الولائية أليات دفاع نفسي عن وجودها المصيري في كنف ولاءات عمياء، وبتعبير آخر، عملت الحاكمية بشيطنة سلطوية لنقل مفهوم الولاء إلى تحزّب أعمى يحول المجتمعات إلى قطعان منقادة وراء تلك الحاكمية، تسهم في تصنيع الديكتاتورية بوصفها الطريقة المثلى لحماية التحزبات، وقيادتها، فكفلت ديمومة استبدادها وحاكميتها الوصائية، فالشعوب العربية في نظرها تعيش مراهقة ولائية غير ناضجة للديمقراطية.

 استطاعت هذه الحاكمية في تحريف الولاء إلى جعله أداة تحكم وسيطرة، وسبباً لاستمرار تخلف الشعوب، وتركتها رازحة في هامش الحضارة، غارقة في تصنيع وثنيتها الحاكمة، مستعيدة جاهليتها في ثوب جديد.

 وعمل استغراق الحاكمية العربية بـ ديكتاتوريتها المطلقة على تأجيج شعوره بالتأله، فصنّعت فلسفة الولاء لتكون وثنية سياسية جديدة، تحقق رغباتها بعبودية الشعوب لها.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment