المهندس مدحت الخطيب
في لحظات الغضب الكبرى، يصبح أسهل ما يمكن فعله هو الصراخ. وبكلمات قليلة على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنك أن تشجب، وتدين، وتستنكر، وتلعن، وفي الوقت نفسه تطالب بالقصاص. لا جهد ولا تكلفة، فقط عبارات حادة تتطاير في الفضاء الرقمي وينتهي الأمر.
لكن، هل هذا كل ما نملكه؟
الغضب مشروع، والحق في المطالبة بالعدالة لا نقاش فيه. لكن الكوارث لا تُدار بالصوت العالي وحده. ما جدوى أن نضيف صخبًا إلى صخب، بينما الخراب يتمدد، والجراح ما زالت تنزف؟ والقتل والتشريد والدمار والإبادة تحيط بأمتنا من كل حدب وصوب.
المرحلة لا تحتاج إلى مزيد من الزيت على النار، بل إلى من يمد يده لإخماد الحريق.
إلى من يرمم ما تهدّم، ويؤمّن ما يمكن إنقاذه، ويعيد الأمان ولو جزئيًا إلى النفوس، لأن المعركة بعد الكارثة التي تعيشها أمتنا ليست فقط مع الفاعل، بل مع آثار فعله...
الغضب طاقة، لكنه إن لم يُوجَّه بوعي، فلا فائدة منه...
الشتائم واللعن والسب؟ نعم، هذا أرخص سلاح وأسرعه.
بضغطة زر، تمتلئ المنصات بكلمات نارية، صور دامية، وعبارات «أدين وأشجب وأستنكر»، وكأننا بهذا نعيد الحياة لمن فقدنا، أو نوقف النزيف الذي يغمر الأرض من دماء العرب والمسلمين...
اليوم، ماذا بعد كل هذا الخضوع والإذلال؟
هل انتهى دورنا عند حافة الانفعال؟
هل المطلوب أن نغذي النار بالغضب فقط حتى تلتهم ما تبقى، أم أن الكارثة تحتاج عقولًا تبني لا ألسنة تلعن؟
نحتاج إلى من يرمم البيوت العربية التي تهدّمت، ويؤمّن الدواء والماء لمن ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت. اليوم، نحتاج إلى من يضمد جراح الأحياء قبل أن يتحولوا إلى أرقام جديدة في قوائم الضحايا...
الغضب حق، لكنه إن لم يتحول إلى فعل، يبقى مجرد دخان يتبدد في الهواء.
والكلمات سلاح، لكن قيمتها في أن تفتح بابًا للحل، لا أن تتركنا ندور في حلقة الانتقام اللفظي.
فلنكن صوتًا يصرخ في وجه الباطل، لكن بيد تبني، وعقل يخطط، وقلب يعرف أن الانتصار الحقيقي ليس في شدة الصرخة، بل في أثرها.
والله المستعان على حالنا الذي نعيشه اليوم
Comments