د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
خيمت عقوبات ترمب على قمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في تيانجين بشمال الصين في 1 سبتمبر 2025 لمناقشة رؤية مشتركة لبناء نظام عالمي جددي متعدد الأقطاب، وشدد شي على استحضار الحرب العالمية الثانية، خصوصا عندما شعر هتلر بنشوة الانتصارات جعلته ينزلق إلى ارتكاب أخطاء قاتلة جعلته ينزلق إلى مواقف لم يكن له أن ينزلق إليها على رأسها ارتكابه الخطيئة الكبرى عندما هاجم الاتحاد السوفيتي رغم أن بسمارك نصح القادة الألمان بعدم قتال روسيا بل اعتقد هتلر أن قتاله روسيا سيفرح الغرب، والخطأ الثاني الذي انزلق إليه بعدما استعاد منطقة الروهر وهي القلب الصناعي لألمانيا التي استولت عليها فرنسا في الحرب العالمية الأولى، لكنه لم يكتفي بذلك، بل بدأ يهاجم الأراضي البريطانية، مما وسع من دائرة أعدائه، خصوصا عندما استعانت بريطانيا بأمريكا، ودخلت الحرب، وهزم هتلر المناخ في روسيا، وعسكريا من قبل الولايات المتحدة، وما تمارسه اليوم إسرائيل في المنطقة العربية مقتدية بهتلر، يجعلها تنزلق نحو ارتكاب أخطاء لا حصر لها.
عارض تشي أيضا عقلية الحرب الباردة، وأكد تشي أن العالم بحاجة إلى إيجاد تعدد أقطاب متكافئة منظمة في العالم، ويحتاج العالم إلى العولمة الاقتصادية الشاملة، وتعزيز بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلا وانصافا، والتعددية تعني أن العالم يحتاج إلى استخدام عملات وطنية في التسويات المتبادلة.
كذلك الشرق الأوسط ظهرت السعودية كقوة صاعدة بالتعاون مع شقيقاتها ف يدول الخليج والتي لها علاقات مع الشرق والغرب، ولم يعد الشرق موضوعا فقط للسياسة الغربية كما كان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بل تبنت السعودية لنفسها موقعا مستقلا في التوازنات الدولية، بل تحولت السعودية من الدفاع عن نفسها إلى صياغة مبادرات يلتقي فيها الشرق بالغرب، مثل التقاء الحزام والطريق الصيني بالممر الهندي الأخضر إلى أوروبا الغربي، وأصبحت السعودية لأول مرة تتجه نحو هندسة اطر الشرق الأوسط الاستراتيجية، وتصيغ مفاهيم جديدة للسياسة والتنمية، حتى أصبح الشرق الأوسط مجال لإعادة توزيع القوة على المستوى الجيوسياسي، ولن يستمر الشرق الأوسط ساحة للصراع، بل سيصبح الشرق الأوسط ساحة تعيد للعالم صياغته، فهي من تدعم التعددية الواقعية التي اقرت في منظمة شنغهاي للتعاون، ومنطقة الشرق الأوسط بقيادة سعودية هي من أعلنت تحول العالم من مركزية الغرب إلى تعددية المراكز.
العقوبات الأمريكية الجمركية التي تصل إلى 50% على الهند بسبب اشتراء النفط الروسي الرخيص، جعل رئيس الوزراء الهندي مودي ينحاز نحو قمة شنغهاي للتعاون بعدما عد العقوبات الجمركية على الهند عدائية، فيما بدا أنه تحول سلبي في نظرة نيودلهي لواشنطن، حيث ظهر الرئيس الهندي مودي شابكا يده بيد الرئيس الروسي بوتين لدى توجههما نحو الرئيس الصيني الذي افتتح قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وهي أول زيارة للرئيس الهندي للصين منذ عام 2018، وشوهد شي وبوتين ومودي في بث مباشر يتحادثون برفقة مترجميهم، بل أكد مودي لشي إن الهند ملتزمة بالمضي قدما في علاقة الهند مع المنظمة على أساس الثقة المتبادلة والكرامة، بعد علاقات متوترة بين الهند والصين وقد خاضتا اشتباكات دامية على الحدود بين البلدين عام 2020.
التعددية الحقيقية ترسي الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبناء نظام جديد للاستقرار والأمن، وهذا النظام الأمني على عكس النماذج الغربية، سيراعي مصالح مجموعة واسعة من الدول بشكل متوازن، ولن يسمح لدولة واحدة بضمان أمنها على حساب الآخرين.
عقدت القمة قبل أيام من عرض عسكري ضخم يقام في العاصمة بكين لمناسبة مرور 80 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية، وتضم منظمة شنغهاي للتعاون، 10 دول أعضاء هي الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران وكازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا، و16 دولة بصفة مراقب وشريك، وتمثل نصف سكان العالم، و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي تقدم نفسها على أنها قوة موازية لحلف شمال الأطلسي، وهي تكتل قادر على المساهمة في تيسير التجارة والاستثمار، وتعزيز التعاون في مجالات تشمل الطاقة والبنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments