د. سنية الحسيني
يبدو التصعيد ضد الفلسطينيين في غزة والضفة متواصلاً دون هوادة من قبل حكومة الاحتلال. ويعكس ذلك التصعيد، سواء من خلال حربها في غزة أو الإجراءات الأخيرة في الضفة، حقيقة أهداف هذه الحكومة بجلاء، والتي تتمثل بتقليص الوجود الفلسطيني في غزة، وإحكام السيطرة عليها، وتقطيع أوصال الضفة وإضعاف الفلسطينيين، وإخضاعهم، وحصر وظيفة السلطة الفلسطينية بمهام توجيهية إدارية مدنية محدودة، بعد إضعاف صلاحياتها ومكانتها.
تسعى إسرائيل بذلك لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وذلك بتعطيل عوامل دعم قيام الدولة الفلسطينية. ولتعطيل وجود دولة فلسطينية، يركز الاحتلال على تشتيت الشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه وتقطيع أوصالها وضمها، وإضعاف مكانة وسلطة وقدرة السلطة الفلسطينية، وتحويل قرارات اعتراف باقي دول العالم بالدولة الفلسطينية حبراً على ورق.
توافق أمريكي–إسرائيلي: دعم غير مشروط رغم الرفض الدولي
يزداد الأمر تعقيداً عندما تتقاطع تلك الإجراءات والسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة مع قرارات الولايات المتحدة مؤخراً تجاه الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يعكس توافقاً فريداً بين الحكومتين، وإن لم يكن جديداً، لتحقيق أهداف إسرائيل، رغم "بلطجتها" أي عدم واقعيتها وتحديها للمنظومة السياسية والقانونية الدولية.
المواقف الدولية: رفض واسع وتساؤلات حول الردع
ورغم تصريحات المنظمات الدولية والإقليمية، وغالبية دول العالم الرافضة للسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومواقف القوى الدولية المركزية الرافضة لتلك السياسات والإجراءات الإسرائيلية، وعلى رأسها دول غربية بالإضافة إلى روسيا والصين والدول العربية، وتطور تلك المواقف بالتهديد بفرض عقوبات على إسرائيل أو فرضها فعلاً من قبل عدد من تلك الدول، يلوح السؤال: ما مدى إمكانية نجاح غالبية دول العالم، على رأسها قوى عظمى غربية وغير غربية، بردع إسرائيل ومن يقف وراءها وحماية الفلسطينيين ومستقبلهم في هذه اللحظات العصيبة؟
وثيقة نتنياهو: رؤية أمنية دائمة ونزع للسلاح
تتصاعد القرارات والإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، وكذلك السلطة الفلسطينية بشكل غير مسبوق، والذي يعد إعلان حرب شاملة على شعب أعزل يخضع فعلياً تحت سلطتها، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال. وعرض نتنياهو في شهر شباط من العام الماضي وثيقة مبادئ لليوم التالي للحرب في غزة، لم تتغير ركائزها حتى اليوم، وهي تعكس رؤيته لمستقبل غزة.
فقد صادقت اللجنة العليا للتخطيط في الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال نهاية الشهر الماضي على مخطط "E1"، الذي يمنع تواصل أراضي الضفة الغربية، وقد اعتبره سموترتش بأنه "يدفن فكرة الدولة الفلسطينية". وتحدثت تقارير إسرائيلية عن مساع حكومية لاستبدال نفوذ السلطة الفلسطينية في منطقة الخليل بقيادة محلية لعزل الخليل عن سياقها الفلسطيني الحالي، بهدف تفتيت التمثيل الفلسطيني في الضفة، وإضعاف أكبر للسلطة الفلسطينية وشرعيتها.
الضمان المصرفي وتسجيل الأراضي: شلل اقتصادي وضم إداري
لا تنفصل تلك الإجراءات والمساعي الإسرائيلية عن إلغاء إسرائيل الإعفاء أو الضمان المصرفي قبل ثلاثة أشهر، والذي كان يسمح للبنوك الإسرائيلية بالتعامل مع البنوك الفلسطينية. بالإضافة إلى خطورة القرار الحكومي المتعلق بتسجيل أراضي الضفة الغربية في المنطقة "ج"، والذي جاء في شهر أيار الماضي، ويوسع السيادة الإدارية والمدنية في تلك المناطق، وبالتالي ضمها.
ففي العام ٢٠٢٤، اتخذت الحكومة الإسرائيلية مجموعة من الإجراءات التصعيدية في الضفة الغربية. فقد ناقشت الحكومة المصغرة خطوات لتصعيد الاستيطان، وصادقت على شرعنة بؤر استيطانية، وفرضت عقوبات على مسؤولين في السلطة، واقتطاع من أموالها. كما توسعت عمليات جيش الاحتلال في شمال الضفة الغربية، في جنين وطولكرم ونابلس.
وثيقة التفاهمات: إعادة توزيع الصلاحيات وتوسيع الضم
وقع نتنياهو في ٢٣ شباط لعام ٢٠٢٣ مع الوزير بتسلئيل سموتريتش "وثيقة تفاهمات" تعيد تقسيم الصلاحيات داخل وزارة الدفاع، بما يشمل تمكين الوزير الجديد من إدارة ملفات استيطانية ومدنية مركزية في الضفة الغربية عبر "مديرية الاستيطان" الجديدة. ويصب ذلك التصعيد، خصوصاً ما يحصل خلال الأشهر الأخيرة، في تثبيت سيطرة إسرائيل الأمنية الدائمة على مجمل أراضي الضفة الغربية، وتقليص قدرة ومكانة السلطة الفلسطينية سياسياً ومالياً وحتى إدارياً، لحصرها في مجالات محددة، بهدف تقويض مسار الدولة الفلسطينية.
الموقف الأميركي: تصعيد تأشيري ووصاية على غزة
أعلنت الولايات المتحدة قبل يومين تعليق معظم أنواع التأشيرات لحملة جواز السفر الفلسطيني، وجاء ذلك الإعلان بعد أيام من قرار الإدارة الأميركية سحب تأشيرات مسؤولي السلطة. كما تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" عن تسريب وثيقة حول خطة وصاية أميركية على غزة لمدة عشر سنوات، وتحويلها لمركز سياحي وصناعي تحت إشراف أميركي–إسرائيلي.
سلطة بلا سيادة: تقويض قانوني ودبلوماسي
لم يعد خفياً أن إسرائيل ترفض الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام ١٩٦٧، وتسعى لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعمل على السماح بوجود سلطة فلسطينية ضعيفة وظيفياً، لإدارة شؤون الفلسطينيين، بينما تعجز قانونياً عن إرساء شروط وجود الدولة الفلسطينية ويواجه الموقف الإسرائيلي والأميركي انتقادات أوروبية علنية، ورفضاً عربياً، وتنديداً تركياً، ومعارضة صينية وروسية وتململاً أممياً، مما يرفع تكلفة العزلة على إسرائيل. وتمتلك تلك الأطراف الدولية أدوات مهمة، كدعم الفلسطينيين والسلطة مادياً وسياسياً وقانونياً، لمواجهة مخططات إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن ذلك يحتاج لعمل دولي جماعي منظم.
Comments