bah الأزمة الصامتة لجيل بلا أمان: كيف يعيش الشباب التحدي النفسي؟ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الأزمة الصامتة لجيل بلا أمان: كيف يعيش الشباب التحدي النفسي؟

09/05/2025 - 17:09 PM

absolute collision

 

 

بقلم: لبنى عويضة...

 

لم يعد الحديث عن “الأزمة النفسية” بين الشباب مجرد توصيف لحالات فردية أو نزعات عابرة، فالأرقام الأخيرة التي صدرت عن دراسات طويلة الأمد ونُشرت في مجلة "بولس ون" تشير إلى أن جيل “زد-Z” (الشباب بين 18 و24 عاماً) أصبح الفئة الأكثر معاناة نفسياً على مستوى العالم، لا في الولايات المتحدة فحسب، بل في أكثر من 45 دولة. وقد كان يُعتقد سابقاً أن “منحنى السعادة” يتخذ شكل حرف U — مرتفعاً في الشباب، منخفضاً في منتصف العمر، ثم مرتفعاً مجدداً مع التقدم في السن — لكن الواقع الجديد يكشف انقلاب هذا النمط.

تدهورت الصحة النفسية لهذا الجيل منذ عام 2014، وتفاقمت الأزمة بشكل واضح خلال جائحة كورونا، مع ارتفاع ملحوظ في معدلات القلق والاكتئاب. الشابات على وجه الخصوص كنّ الأكثر تأثراً، إذ ارتفعت نسبة التعاسة لديهن في الولايات المتحدة من 5.6% عام 2009 إلى 9.3% عام 2024. وتشير الدراسات إلى أن هذه المعاناة لا تعود لسبب واحد، بل إلى تراكم عوامل عدة، أبرزها الوقت الطويل أمام الشاشات، والمقارنات المستمرة مع الآخرين عبر الإنترنت، وصعوبات التعلم، والتغيّب عن المدارس، إضافة إلى انسحاب العديد من الشباب من سوق العمل بسبب الضغوط النفسية. بالمقابل، تبدو الفئات الأكبر سناً أكثر استقراراً وسعادة نسبياً، ما يوضح انقلاباً صارخاً على ما كان يُعرف بمنحنى السعادة التقليدي، ويؤكد أن أزمة الصحة النفسية للشباب أصبحت تحدياً عالمياً ملحاً يتطلب سياسات وطنية وإقليمية قبل أن تترك آثاراً طويلة المدى على المجتمعات.

ما الذي تغير؟

الأزمة لا تقتصر على القلق أو الاكتئاب، بل تتعلق بانهيار الأساسات التي كانت تمنح الأجيال معنى وركائز نفسية صلبة. جيل التسعينيات وما قبله واجه صعوبات الحياة والعمل، لكنه امتلك أدوات صمود: روابط اجتماعية قوية، وظائف مستقرة نسبياً، ومسافة آمنة من الضغوط الرقمية. أما شباب اليوم، فيعيشون في عالم بلا “مناطق ظل”، حيث كل لحظة مراقبة، وكل خطأ مسجّل، وكل مقارنة مع الآخرين مفتوحة على مدار الساعة عبر شاشات صغيرة في اليد.

لبنان: حين تتضاعف المأساة

في لبنان، تصبح الأزمة النفسية مضاعفة ومركّبة. الأزمة الاقتصادية منذ 2019 استنزفت مدخرات العائلات، وحوّلت الشباب إلى جيل عاجز عن الادخار أو التخطيط لمستقبل مستقر، في حين جعل انهيار سوق العمل الشهادة الجامعية بلا وزن، وارتفعت الهجرة لتصبح الحلم الوحيد الذي يحمل بصيص أمل. ومع استمرار الاضطرابات السياسية، يشعر الشباب بلا جدوى دائمة لأي جهد فردي في بلد يفتقد الاستقرار والسياسات الواضحة، وفي الوقت نفسه أدت العزلة الاجتماعية الناتجة عن تراجع دور الطبقة الوسطى — التي كانت بيئة حاضنة للحراك الثقافي والمهني — إلى زيادة شعورهم بالاغتراب والضياع.

ويضاف إلى ذلك أن النظام الصحي في لبنان يكاد يكون خاوياً من برامج الرعاية النفسية العامة؛ المراكز المتخصصة قليلة والكلفة باهظة، ما يدفع الشباب إما إلى التعايش مع الألم بصمت، أو إلى البحث عن حلول فردية قد تكون مدمرة، مثل الهجرة غير المدروسة، الإدمان، أو الانسحاب من الحياة الاجتماعية.

الانفجار الصامت

اليوم، يعيش لبنان ما يمكن تسميته “الانفجار الصامت”: جيل كامل محاصر بين شاشته الذكية، وأزماته المادية، وانهيار الثقة بالدولة. هذه المعادلة لا تنتج مجرد قلق أو اكتئاب، بل تهدد بفقدان الرابط العاطفي بين الشباب ووطنهم. حين يتحوّل الوطن من فضاء انتماء إلى عبء نفسي، يصبح الخطر على المستقبل السياسي والاجتماعي مضاعفاً.

نحو رؤية جديدة

الحل لا يختصر بجملة “يجب دعم الصحة النفسية”، بل يتطلب مقاربة شاملة تعتبر الشباب مورداً وطنياً أساسياً، تبدأ بإدماج الرعاية النفسية في المدارس والجامعات كجزء من المناهج وليس كخدمة إضافية، مروراً بإطلاق برامج عمل شبابية تمنحهم معنى وكرامة حتى في القطاعات الصغيرة، وصولاً إلى كسر الوصمة الاجتماعية تجاه الطب النفسي من خلال حملات علنية تضع هذا الموضوع في صلب النقاش العام، وربط سياسات الصحة النفسية بالاقتصاد، إذ لا يمكن الحديث عن عقل سليم في ظل فقر دائم وانعدام الأفق المستقبلي.

إذن، الدراسة العالمية تدق ناقوس الخطر، فهي ليست خبراً بعيداً عن لبنان، بل مرآة تعكس واقعنا بألوان أكثر قتامة. وإذا لم تتحرك الدولة والمجتمع لإدراك خطورة المشهد، فقد نجد أنفسنا أمام جيل كامل يعاني من مشاكل نفسية لا حصر لها، مع ارتفاع محتمل في معدلات الانتحار، وجيل بدأ يختفي خلف الشاشات، ويغادر جسده قبل أن يهاجر عقله.

 

 

نشر أيضاً في جريدة الرقيب الالكترونية

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment