بسام ن ضو *
تركيبة المجتمع السياسي اللبناني مبنيّة على قواعد سياسية سقفها الديمقراطية قاعدتها صيغة العيش المشترك، وهذه التنشئة الوطنية التي ورثناها عن ساسة أصحاب رؤية متنوّرة هي إرث عظيم ومهم من متطلبات وشروط أي منظومة سياسية ديمقراطية تستظِّلْ القوانين المرعية الإجراء وفي طليعتها الدستور اللبناني. إنّ حضور منظومة سياسية متحرِّرة من قيود الإرتهان والعمالة أمر يتوّقف على مدى تأصُّلْ القيم الوطنية الديمقراطية صاحبة الولاء الحصري للوطن ولمؤسساته الشرعية المدنية والعسكرية، حيث لا يمكِنْ لها أن تنضج وتستقِّرْ ما لم تأخـذ مسارها الطبيعي الموضوعي في ثقافة الإنتماء لوطن حـر سيِّد مستقل ديمقراطي النهج والأفعال.
الولاء للوطن ثقافة سياسية في جوهرها ممارسة سياسيّة متجرِّدة من المصالح الخاصة ذات أبعاد وآراء وإتجاهات ومفاهيم سياسية ديمقراطية غير إقطاعية أو إقصائية تهدف لسياسة حكيمة تمثِّلْ وحدة التفكير السياسي السليمة والممارسة العمليّة المرتكزة على شرعة حقوق الإنسان، كما إنها تفرض ثقافة سياسية في فهم التركيبة اللبنانية الغنيّة بالتنوّع الديمقراطي لا التوتاليتاري الإباحي الفكري يؤسِّسْ لبناء وظائف منظومة سياسية متنوّعة منها : القانوني – الإنمائي ومعرفة المواطنين لحقوقهم وواجباتهم وحرياتهم وطرُقْ وأساليب ممارسة هذه الحرية لا فرضها على الغير كما هو حاصـل اليوم.
حذار اللعب في مقومات الديمقراطية في مجتمعنا اللبناني بمعنى عدم تسييس مجتمعنا وتضليله، على الحُكام وبناء على الدستور ونصوصه الملزمة أن يعملوا على تثقيف المواطن اللبناني وتعلُّقه في مؤسسات الدولة ورموزها الشرعيين بما في ذلك أجهزة السلطة ومنظمات المجتمع المدني، إنّ الثقة بمؤسسات الدولة أساس لأي نهضة سياسية ومدخل لأنواع المشاركة الحضارية والتفاعل اللبناني اللبناني في إطار تتحقق فيه المُشاركة مع الآخرين في مناخ من الطمأنينة والتحرُّر ومن القلق والإرتهان والعمالة، وعلى كل نظام سياسي تعميق ثقة مواطنيه وبناء جسور التشارك في صنع القرار وتجاوز أي خلاف يجلب تحديات وتدخلات خارجية.
في هذا الجو المُلبّد بالمواقف المُلتبسة لا تقوم سياسة ديمقراطية حقيقية موضوعية متجرِّدة دون عقلانية، إنّ الممارسة العقلانية في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية تفرض بداية إعتماد مبادىء العدالة – السيادة – الحرية – المساواة – إعلاء صوت العقل والحكمة والأصالة السياسية المتجردة.
معالجة موضوع الساعة " نزع سلاح الميليشيات " (حزب الله – سلاح المخيمات ) يتطلب تقديم نماذج سلوكية رشيدة تقوم على إحترام القوانين اللبنانية المرعية الإجراء وفي طليعتها تطبيق ما يرد في المرسوم الإشتراعي رقم 102 الصادر في 16 أيلول 1983 وتعديلاته ( المادة الأولى – مفهوم الدفاع الوطني والقوى المُسلّحة والنص يقول حرفيًا " الدفاع الوطني يهدف إلى تعزيز قدرات الدولة وإنماء طاقاتها لمقاومة أي إعتداء على أرض الوطن وأي عدوان يوجه ضده وإلى ضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين يقصد بالقوى المسلحة: الجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام وبوج عام سائر العاملين في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات الذين يحملون السلاح بحكم وظيفتهم ")، والتعاون من أجـل الإنجـاز السلس والمرن والموضوعي. المجتمع الديمقراطي يقوم على العقلانية في مقاربة موضوع "سلاح حزب الله" وهكذا السياسة العاقلة تعتمد على إيجاد البدائل والإختيار السليم من أجل منظومة سياسية – دفاعية تتجاوز القيم الجامدة والمعرقلة للسلم الأهلي – الإقليمي – الدولي لصالح دولة قوية تستظل القانون والدستور والديمقراطية.
ضمن هذه الأجواء المتشنجّة يتبدّى لمراكز الأبحاث المحلية والعربية والدولية أنّ الظروف الحالية تشي بفوضى تُديرها مصالح خارجية تتصارع على الأرض اللبنانية وهذه ظاهــرة مُعيبة بحق الشعب اللبناني علمًا أنه أساس مهد الحضارات، من حيث المنطق الظروف السياسية الأمنية الإقتصادية المستعرة يتوفِّر المناخ الملائم للفوضى وتحديث الحرب العبثية وكذلك
الهدم والتشريد وتنامي الأحقاد والزبائنية السياسية والمحاصصة الرخيصة التي غالبًا ما تكون على حساب اللبنانيين ومصالحهم الإستراتيجية.
إنّ مقاربة هذا السلاح اللاشرعي المتفلّت تتطلب ثقافة سياسية تُبنى عليها مواقف وتوجهات سياسية مستقلة للمواطنين وتتعدّد وتتنوّع المؤسسات التي تُساهم في تكوين ونشأة هذه المرجعية والتي تبدأ من البيئة (بيئة ميليشيا حزب الله) المُضلّلة منذ أكثر من عشرين سنة، والتي تتنكّر لمؤسسات الدولة الشرعية المدنية والعسكرية وعلى الرغم من التداعيات المأساوية التي نتجت عن هذه الميليشيا أبتداءً من إمتلاكها للسلاح بطريقة غير شرعية تحت ستار "محاربة العدو الإسرائيلي ومحوه من الوجود" وإنتهاءً بالسطو على مؤسسات الدولة منها المدني والعسكري فحوّلتْ الجمهورية اللبنانية من دولة لها عناصرها إلى دويلة تسلطية تسطو على الجميع وتحولهم إلى إقطاعها الشرعي، كما حوّلت الشعب المُضلّل (على سبيل المثال مدارس المهدي)،إلى أقنان تديره لحساب هيمنة المشروع الإيراني في المنطقة.
حذار اللعب في مقومات الديمقراطية في مجتمعنا اللبناني لا بل حذار اللعب في السلم الأهلي في ظل التحولات العاصفة التي يشهدها لبنان والمنطقة، في هذا الإطار وكمركز أبحاث PEAC وفق وجهة نظرنا وبمشاركة مراكز أبحاث عربية ودولية يبرز مفهوم السلم الأهلي والتماسك المجتمعي كأحـد أكثر القضايا إلحاحًا وإرتباطًا بمصير الجمهورية اللبنانية، فحين يُضلّل الشعب وتتراجع ثقته بمؤسسات الدولة ويعلــو صوت الإنقسام والعمالة والهويات المستحدثة على حساب الهوية اللبنانية يُصبح مجتمعنا اللبناني أكثر عرضة للتفتُّتْ والصراعات الداخلية. الحـل الوحيد أمام هذه الميليشيا وبعد مرارة الحرب الأخيرة ونتائجها المدمِّرة هو البحث عن حل تسليم هذا السلاح للدولة الشرعية في إطار الدفع نحو إتجاه بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامـل ترابها الوطني لتجنُّب الحروب وإحتلال مناطق في جنوب لبنان.
* كاتب وباحث سياسي – أمين سر المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية PEAC
Comments