بسام ن ضو *
يتمثّل الإلتـزام السياسي للمنظومات الحاكمة بتبّني مواقف سياسية محدّدة وواضحة ومستمرّة عناوينها القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية تُتَرجمْ في العادة عبر تشكيل الحكومات التي تعتمد الأطُر الدستورية لممارسة النظام السياسي من خلال المحافظة على سيادة الدولة ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية.
وضع لبنان في هذه المرحلة يتطّلب جهود مضنية وعقلية سياسية منفتحة ونظرة إستراتيجية لواقعه المرير علمًا أنّ الأوضاع العامة في البلاد باتت تشي بخطورة كبيرة ودقيقة ألزمتْ مراجع عربية ودولية الدخول مباشرة على خط حلحلة هذه الأزمة الخطيرة، وهذا التدخل المُلزم لهذه المراجع أتى نتيجة خرق للمبادىء السيادية التي تقوم عليها الدول المستقلّة.
في المراحل السابقة كان البناء القانوني لمفهوم السيادة الوطنية اللبنانية مُعرضًا لخطـر كبير وخطير بسبب الأنشطة التي مورستْ من خارج الحدود حيث أوشكت كل مكوّنات الدولة اللبنانية أن تنهار وعاجزة عن ممارسة إختصاصاتها السيادية على أرضها وعلى حدودها المعترف بها دوليًا خاصة فيما يتعلق بالمحافظة على الأمن الداخلي والأمن الإقليمي والأمن الدولي وحتى على كيانية الدولة بمؤسساتها الشرعية. ناهيك عن أنّ الأنشطة التي تمثلّتْ بمبدأ ميليشياوي مدعوم من أركان سلطات لبنانية محليّة متعاقبة وغضْ نظـر من بعض الفاعلين على المسرح السياسي الإقليمي والدولي أثرّتْ سلبًا على الوضع العام وعمليًا باتتْ السيادة منتقصة ممّا أوصل الأمور إلى حرب ضروس تعدّت كل الأطُرْ المخالفة لمندرجات القانون الدولي.
سؤال يطرح نفسه في خضّم المساعي الحاصلة، هل في لبنان سيادة سلطة سياسية فاعلة وفعليّة؟ كلا لأنّ النظام السياسي الذي كان قائمًا لم يكن هذا النظام الذي يستطيع تنفيذ إرادته على إقليمه وتفعيل أدواره المطلوبة منه وفقًا للقانون الدولي ووفقًا للدستور اللبناني وللقوانين المرعية الإجراء، ولم يكُن هذا النظام الذي بإستطاعته إثبات قدرته على ممارسة سياسية شفّافة. مرحليًا فلول هذا النظام ما زالت قادرة على التأثير سلبًا، وهناك أوساط محليّة ودبلوماسية عربية ودولية تخشى من خطورة عرقلتها للمهام التي تقوم بها الحكومة اللبنانية لناحية مبدأية حصر السلاح تطبيقًا لمقرارات الحكومة المركزية الشرعية ولرغبة عربية ودولية لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وفقًا لمبدأ السياسة والقانون إنّ السيادة كواقع سياسي تعني القدرة الفعلية للحكومة على إنفاذ إرادتها في المجالات التالية محليًا – إقليميًا – دوليًا مُحدِدةً مصالحها ولا تسمح بالتقيُّد بإملاءات داخلية أو خارجية، والمطلوب اليوم من النظام السياسي اللبناني أن يقـوم بأكمل دوره في بسط سلطته على مواقع القرار السياسي والعسكري، كما إضعاف أي دور محلي – إقليمي يُمارس على الأرض اللبنانية يحمل عنوان التبعيّة في التعامل مع أي دولة إقليمية والضغط القانوني المتزايد على هذا الدور الفوضوي ( لأنه مخالف لوثيقة الوفاق الوطني لناحية بند حـل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية – نص قانون الدفاع الوطني الحاصر مهام الدفاع بالأجهزة الأمنية العسكرية الشرعية – الإجماع اللبناني والعربي والدولي لحصرية السلاح) لمنعه من القيام بمهام العرقلة تحت ستار "التخوّف من الحرب الأهليّة". كفى لبنان ونظامه السياسي تدخلات إقليمية تتنافى والقانون الدولي وسياسة ترابط أزمات وتبادل رسائل من على الأرض اللبنانية، وتقاعس في مقاربة الأمور ما أدّى إلى تغيّرْ مفهوم السيادة من صفة الإطلاق إلى الجزئية والإضمحلال.
في مفهومنا البحثي كمركز أبحاث PEAC إنّ نموذج النظام الفاعل والرشيد من المفترض أنْ يُقدِّم مقاربة سياسية علمية لتحقيق جودة نظام الحكم وكفاءة التسيير بإعتبار أنّ "قرار حصرية السلاح" الذي إتخذته الحكومة اللبنانية بواقعها الراهن وتركيبتها (تركيبة المحاصصة)، وترجمته عمليًا على الأرض يمثِّلْ الأولوّية في التطبيق رغم بعض الإنتقادات التي وجّهتها بعض المراجع المُشاركة في الحكومة ومن يُناصرها في الشارع وهي في أغلبيتها جماعات مُضلّلة ومُضلّلَة تُشوّه الوقائع وفق معايير العمالة وعدم الولاء للوطن ولمؤسساته الشرعية ( سلطات تشريعية – إجرائية – تنفيذية ). إنّ تحقيق بند حصرية السلاح يمثِّلْ غاية مُلحّة في المرحلة الحالية الذي يتميّزْ برغبة محلية – إقليمية – دولية تُعيد للسياسة اللبنانية ولمبدأية تطبيق القانون والسيادة شمولية نفاذ السيادة المطلقة على كامـل الأراضي اللبنانية.
في هذا السياق نسعى كمركز أبحاث PEAC إلى تقديم كل الدعم للنظام السياسي القائم كنموذج فكري إصلاحي وطني صرف طارحين منظومة سياسية – عسكرية – قانونية – دبلوماسية لتطبيق بند حصرية السلاح من خلال المُساهمة الفعليّة والعملانية لنشر القوى الشرعية على كامل التراب الوطني، وتوعية الشعب اللبناني المُضلّلْ ورعاية مشاريع التنمية المستدامة وتحقيق الكفاءة السياسية والإدارية السياسية وفاعلية الأداء الحكومي (إنْ لَزِمَ الأمر إعتماد مبدأ تعديل حكومي). دعمنا للنظام السياسي على المستوى النظري والتطبيقي يسعى إلى إيجاد الصيغة المُثلى لهندسة نظام سياسي عبر حكومة تعتمد على المبادىء الديمقراطية وحُسنْ الإختيار لوزرائها تتميّز بنظام سياسي رشيد وحكومة فاعلة ذات فعالية.
* كاتب وباحث سياسي – أمين سر المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية PEAC
Comments