بقلم شربل عبد الله أنطون
القوة الحقيقية للحزب ليست في ترسانته العسكرية المتضائلة، بل في اقتصاد نقدي موازٍ بمليارات الدولارات يحميه من الدولة ويؤمّن له البقاء.
رحّب مجلس الوزراء اللبناني مؤخراً بخطة الجيش لنزع سلاح "حزب الله"، من دون تحديد جدول زمني، وبإقرار واضح بقدرات محدودة على التنفيذ. لكن بينما ينشغل الإعلام المحلي والدولي بهذا القرار وردود الفعل عليه، تبقى الحقيقة الأهم غائبة عن المشهد: السلاح الحقيقي لحزب الله ليس في مخازنه العسكرية فقط، بل في إمبراطوريته المالية التي تضخ مليارات الدولارات سنوياً، وتحميه من أي مساس جدي بوجوده.
المال… السلاح الأهم
على مدى أكثر من أربعة عقود، تحوّل حزب الله من ميليشيا مسلّحة إلى دولة موازية، تسيطر على المرافئ والمعابر والحدود والجمارك، وتدير شبكات خدمات اجتماعية واقتصادية. لكن قلب قوته يكمن في قبضته على الاقتصاد النقدي الموازي، وهي سيطرة تعززت بعد الانهيار المالي في لبنان عام 2019.
في صلب هذه السيطرة تقف ثلاث أو أربع شركات صرافة كبرى، كثير منها خاضع لعقوبات أميركية، تشكّل العمود الفقري لعمليات الحزب المالية. هذه الشركات تحرّك مليارات الدولارات نقداً، خارج النظام المصرفي، وبنفوذ يسمح لها بالتأثير على القرارات المالية في البلاد.
بالتوازي، يتمتع الحزب بحصانة فعلية من الرسوم الجمركية والضرائب، إذ تدخل بضائعه — من الإلكترونيات إلى المعدات الصناعية وسواها — عبر المرافئ والمعابر من دون دفع ليرة واحدة، بفضل شبكة من الموالين داخل الجمارك والمرافئ وسائر الإدارات. النتيجة: خزينة الدولة تنزف مئات الملايين سنوياً، فيما تبقى سلاسل إمداد الحزب آمنة وغير خاضعة للمساءلة.
هذه السيطرة المزدوجة — على تدفقات النقد والتجارة — جعلت الحزب بمنأى عن العقوبات وعن الدولة نفسها، قادراً على تمويل آلته العسكرية والسياسية بمعزل عن أي سياسة حكومية. وهو أيضاً يمول انتخاباته، بما فيها انتخابات 2026 النيابية، عبر ضخ ملايين الدولارات نقداً لضمان الفوز.
تجارة الكبتاغون
أصبح الكبتاغون، وهو مخدر صناعي يغزو أسواق الشرق الأوسط وأوروبا، مورداً استراتيجياً للحزب. قبل أسابيع فقط، أدّى تعاون استخباراتي لبناني–عراقي إلى تدمير أحد أكبر مصانع الكبتاغون في البقاع. لكن هذه النجاحات تبقى رمزية أمام حجم الشبكة، التي تتقن تغيير المسارات وإنشاء شركات واجهة لإبقاء الأموال تتدفق.
لماذا سيفشل نزع السلاح وحده
حتى لو نجحت بيروت في انتزاع اتفاق سياسي لنزع سلاح الحزب، فإن موارده المالية المستقلة تمكّنه من إعادة التسلح متى شاء. هذه قاعدة عامة لكل الميليشيات والفاعلين المسلحين غير الحكوميين: طالما المال موجود، فالقدرة على إعادة بناء القوة العسكرية تبقى قائمة.
الدور الأميركي والدولي
العقوبات الأميركية على ممولي "حزب الله" مستمرة منذ سنوات، لكنها تدريجية ومتوقعة، ما أتاح للحزب التكيّف. وكما نقول دائماً، أصبح "محصناً ضد العقوبات".
إن كسر هذه الحصانة يتطلب خطوات غير تقليدية:
• عقوبات منسقة ومتعددة الجنسيات على كل المُيسّرين والشركات الواجهة (الصوَرية) ومكاتب الصرافة المتواطئة.
• تعطيل طرق التهريب البحرية والبرية والجوية التي تنقل المخدرات والسلاح والنقد.
• شراكات مع حكومات في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا لإغلاق الملاذات الآمنة ومصادرة الأصول.
• استخدام واشنطن المعلومات الاستخباراتية المالية التي تملكها لقطع أي مصدر دخل للحزب قبل أن يترسخ.
• فرض عقوبات على آلاف المشتغلين في الاقتصاد النقدي الموازي داخل لبنان وخارجه — هؤلاء هم الجيش الحقيقي لـ "حزب الله".
ما بعد "حزب الله" في لبنان
لن ينجح لبنان في نزع سلاح "حزب الله" من دون تفكيك الإمبراطورية المالية التي تسلّحه وتحميه وتؤمّن بقاءه وبقاء الفساد. ولن يتم ذلك من دون حملة دولية بقيادة أميركية، تتعامل مع الحزب ليس فقط كوكيل عسكري لإيران، بل كـ "تكتل إجرامي إرهابي معولَم" على حد وصف مسؤول أميركي سابق.
إلى أن يحدث ذلك، سيبقى أي "نزع سلاح" مجرد إجراء شكلي، وسيحتفظ الحزب بالقدرة على إعادة التسلح متى شاء. وباختصار، لن تبدأ مرحلة ما بعد "حزب الله" في لبنان قبل أن يتوقف تدفق المال. ولن ينجح العهد في محاربة الفساد ما دام مال الحزب ينخر دوائر الدولة ويشتري الأتباع والمحاسيب.
Comments