بيروت، باريس – بيروت تايمز تحقيق جورج ديب
في لحظة سياسية تحمل إشارات متعددة، جاء الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية والمغتربين اللبناني يوسف رجّي ونظيره الفرنسي جان نويل بارو ليعيد تسليط الضوء على العلاقة التاريخية بين بيروت وباريس، وعلى الدور الذي لا تزال فرنسا تسعى للعبه في دعم استقرار لبنان ومؤسساته. لم يكن الاتصال مجرد تبادل للمجاملات الدبلوماسية، بل حمل في طياته مواقف واضحة ورسائل مباشرة تتعلق بالأمن والسيادة والإصلاح، في وقت يعيش فيه لبنان واحدة من أكثر مراحله تعقيدًا على المستويات كافة.
وبين الشكر اللبناني على تجديد مهمة اليونيفيل، والترحيب الفرنسي بخطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، برز إعلان نية الرئيس الفرنسي تنظيم مؤتمرين دوليين لدعم الجيش اللبناني والإعمار، ما يعكس استعدادًا دوليًا مشروطًا للانخراط مجددًا في الملف اللبناني، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والظروف الملائمة داخليًا.
الوزير الفرنسي من جهته لم يكتف بالرد الإيجابي، بل ذهب أبعد من ذلك، مرحّبًا بتبنّي الحكومة اللبنانية للخطة التي اقترحها الجيش اللبناني لاستعادة احتكار الدولة للسلاح على كامل الأراضي اللبنانية. هذا الموقف الفرنسي يحمل دلالات عميقة، إذ يعكس دعمًا واضحًا لمبدأ سيادة الدولة ومؤسساتها، في وقت لا يزال فيه السلاح خارج إطار الدولة يشكّل أحد أبرز العوائق أمام بناء دولة قوية وموحدة. فرنسا، التي لطالما اعتبرت الجيش اللبناني حجر الأساس في استقرار البلاد، جدّدت استعدادها للوقوف إلى جانب السلطات اللبنانية لتنفيذ هذه الخطة، ما يفتح الباب أمام دعم متعدد الأوجه، سياسيًا ولوجستيًا وربما ماليًا أيضًا.
لكن التطور الأبرز في هذا الاتصال تمثّل في إعلان الوزير الفرنسي عن نية الرئيس إيمانويل ماكرون تنظيم مؤتمرين دوليين، أحدهما مخصص لدعم القوات المسلحة اللبنانية، والآخر لإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي. هذا الإعلان لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي تعيشه البلاد، حيث الانهيار الاقتصادي المستمر، والفراغ السياسي، والتعثر في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دوليًا. المؤتمران، بحسب ما أُعلن، لن يُعقدا إلا عندما تتوافر "الظروف الملائمة"، وهي عبارة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل الضمنية، أبرزها أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه فرنسا، ينتظر من لبنان خطوات ملموسة على صعيد الإصلاح السياسي والإداري، وربما انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة.
في هذا السياق، يبدو أن باريس تحاول إعادة تثبيت موقعها في المشهد اللبناني، مستندة إلى علاقاتها التاريخية ومكانتها في المنظومة الدولية. دعم الجيش اللبناني هو ورقة تقليدية تستخدمها فرنسا لتأكيد التزامها بأمن لبنان، دون الانخراط المباشر في تعقيدات الانقسام السياسي الداخلي. أما ملف الإعمار والإنعاش الاقتصادي، فيرتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرة الدولة اللبنانية على استعادة ثقة المجتمع الدولي، وتقديم رؤية واضحة لإدارة المرحلة المقبلة.
الاتصال بين رجّي وبارو، إذًا، يتجاوز حدود المجاملة الدبلوماسية، ليشكّل مؤشرًا على تحرك فرنسي جديد يربط بين الأمن والاقتصاد، ويضع الكرة في ملعب السلطات اللبنانية. فهل تلتقطها بيروت وتترجمها إلى خطوات عملية؟ أم يبقى الدعم الدولي مشروطًا بانتظار ظروف ملائمة قد تطول؟ في الحالتين، يبقى الجيش اللبناني في قلب المعادلة، كرمز للدولة التي تسعى لاستعادة سيادتها، وكجسر محتمل نحو إعادة بناء الثقة المفقودة بين لبنان والعالم.
Comments