bah رسالة من ناجي علي أمهز إلى صاحب السمو أمير دولة قطر..! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

رسالة من ناجي علي أمهز إلى صاحب السمو أمير دولة قطر..!

09/12/2025 - 14:00 PM

Prestige Jewelry

 

 

خطاب حـضرة صاحب الـسمو الشـيخ تـمـيـم بـن حــمـــد آل ثـانــي أمـيــر دولـــة قــطـــر ...

صاحب السمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني

أعلن عن تضامني العميق معكم ومع دولة قطر الشقيقة، في مواجهة العدوان على سيادتكم. اسمحوا لي أن أخاطب سموكم بكل شفافية، راجيًا من حكمتكم ونبلكم استشراف ما أخطه هنا، اقتداءً بقول خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب، الذي تجسدت فيه الحكمة والفلسفة العميقة: “الحكمة ضالة المؤمن”. هذه المقولة ليست مجرد كلمات، بل إشارة بالغة الأهمية إلى أن الحكمة لا يقتصر اكتسابها على زاهد أو عابد، بل هي نتاج وعي تراكمي، وتجارب مريرة، وهبة إلهية لا تُقدّر بأثمان الدنيا.

سمو الأمير، يؤمن المسلمون والعرب بقوة بقول الله تعالى: “إن الله يرزق من يشاء بغير حساب”، فيتقبلون قسمة الأرزاق. لكن الملاحظ، أن قلة قليلة منهم تدرك عمق قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ ﴾. ولقد علم الله بعلمه الأزلي أن الحكمة لا يُقرّ بها إلا الحكيم، لذا أتمّ الآية الكريمة: “وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ”.

الرسالة:

وإنني لأعوّل على حكمة سموكم في رسالتي هذه، عسى أن تُحدث تغييرًا جذريًا، ليس فقط في دولة قطر، بل في سائر أوطاننا التي تقف اليوم على شفا هاوية وجودية قد لا تُبقي ولا تذر. فمهما تعاظم شأن الإنسان وارتفعت مكانته وجادت قريحته، يظل هناك جوانب يفتقر إليها. ومن بالغ الحكمة أن يبقى الإنسان ساعيًا للعلم من المهد إلى اللحد، كما أرشدنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.

سمو الأمير، أنا لستُ ميكافيلي العرب، لكنني أتذكر حكمة محمد علي باشا المصري، الذي رغم أمّيته، عندما سمع عن كتاب “الأمير”، طلب من وزيره أن يقرأ له منه. وبعد عشر صفحات، قال له: “أغلقه! والله إنني أملك من الدهاء أكثر مما فيه.”

وعلينا أن نتذكر، وسموكم أدرى وأعلم، أن الإمبراطورية العباسية لم تُبنَ فقط على عظمة هارون الرشيد، بل على حكمة أبي نواس في بساطته، وفطنة بهلول. لم يُغيّر هارون الرشيد من طبيعة هؤلاء، بل تعلم منهم وحافظ على بصيرتهم. فقد كان الرشيد، الذي أمر بترجمة كتب الفلسفة وتعمق في الكيمياء الإنسانية والروحية، يدرك أن قوة المرء قد تكمن فيمن يحيط به. وأن رحيل هؤلاء أو ضعفهم قد يكون سببًا في ضعفه وزواله. هذا الإدراك هو ما دفع الغرب، بعد استلهام أسرار الحياة، إلى تأسيس مبدأ الديمقراطية، ووضع قوانين توافقت عليها الأغلبية. حيث يصبح تطبيق القانون هو الحد الفاصل بين العدل والظلم، فلا يتحمل الحاكم وزر معاقبة فرد بناءً على قناعة شخصية أو ضغينة، بل بناءً على انتهاك صريح للقانون.

لذلك، قبل أن ينتظر العرب والمسلمون سقوط أمريكا والغرب، عليهم أن يدركوا أن الغرب استوعب دروس الإمبراطوريات السابقة، وتعلم ألا يظلم أو يفسد ضمن حدود حكمه؛ لأن ظلم الحاكم وفساده يدفع ثمنه الوطن والشعب.

سمو الأمير، من يطمح لبناء دولة عظيمة ومترامية الأطراف، عليه أن يحتكم إلى كافة القوانين، وأهمها القوانين الطبيعية. لكن عندما تترصد الفضائيات الدينية بالسياسة ونهضة الشعوب، بينما رجال الدين يقضون أعمارهم في التنقيب عن أحكام الطهارة والنجاسة والمحرمات، ويصرّون على أن الأرض مسطحة، مخالفين بذلك أبسط قوانين الطبيعة، كيف يمكن لهذه الأمم والشعوب أن تنهض؟ إن من يكتفي بقراءة “صحيح البخاري” و”سنن الترمذي”، أو ما رُوي عن علماء الشيعة، لن يكون قادرًا على استيعاب أو استنتاج ما قاله نابليون وجورج واشنطن وكسنجر، أو ما اكتشفه نيوتن وأرخميدس وآينشتاين.

معذرة على هذا القول، لكن رجال الدين الذين يقضون أعمارهم في تعليم أبنائهم كيف يدخلون المرحاض، لن يتمكنوا من تعليمهم كيف يصلون إلى البرلمانات ومجالس الأمم والمحافل الدولية، أو قيادة الشعوب.

سمو الأمير، في زمن الذكاء الاصطناعي، يدرك الجميع أن شعوب العالم الثالث تعجز عن التغيير الذاتي. لذا، يُعلق الأمل على القيادات الحكيمة لتأخذ بأيدي شعوبها نحو المستقبل.

إن العالم العربي والإسلامي يطبق نظرية “صدام الحضارات” لصموئيل هنتنجتون، حيث يُعتقد أن الإنسان العربي لا يحكمه إلا الدين. فالسني قد لا يقبل بالآخر إن كان شيعيًا أو علويًا أو حتى درزيًا، والأمر سيان بالنسبة للطوائف الأخرى. وكذلك المسيحي المشرقي قد لا يقبل بالمسلم، والعكس صحيح.

مع العلم أنه لو طبقنا نظرية الملحد كارل ماركس، ربما كنا قد نَجَوْنا بأنفسنا، ليس بالانتماء إلى الإلحاد، بل بتطبيق نظريته القائلة بأن أفضل استثمار هو الاستثمار في الإنسان. وكما قال الفيلسوف جبران خليل جبران: “لم يجيء المسيح ليعلم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلاً ونفسه مذبحًا وعقله كاهنًا.”

سموكم، للأسف، حتى في زمننا هذا، لم تعد توجد منازل مظلمة وأكواخ حقيرة، بل مقابر جماعية تسكنها الشعوب العربية. لقد تخلينا عن الإنسان، واصطنعنا الزيف في كل شيء حولنا. أصبحت لدينا مساجد ضخمة بلا مؤمنين، وملاعب رياضية بلا رياضيين، ومؤسسات فكرية وإعلامية بلا مفكرين، وبرامج للغناء دون الالتفات إلى صوت المدافع وصراخ الموت من حولنا.

لذلك، كل ما يجري حولنا يحمل عبرة واضحة. فأين كل ما تعلمناه من الإسلام وما يحدث في غزة، حيث يموت شعبها مسلمون قتلاً وجوعًا وأمراضًا ورعبًا وبؤسًا وحرمانًا؟ هل يعقل أن يكون الدين خطأً، أم أن القائمين على الدين هم الذين أخطأوا بحق دينهم ودور أمتهم بين الأمم والشعوب؟ ليس في غزة فقط، بل في بورما، عندما كانت تُحرق الناس أحياء، وكنا نغط في سبات عميق، ولم ننتبه أن هذه النار ستصل إلينا، وتحرقنا، بل تلتهمنا في الدنيا والآخرة.

سموكم اليوم الحرب ليست مع من معه الحق بنظريته الدينية، بل بمن يتسحق العيش في الحياة الدنيوية ويمتلك العلم والصناعة، وكما قال الفيلسوف السياسي انطون سعادة، ” اقتتالنا على السماء افقدنا الارض”

سمو الأمير، لا أدري إن كان ذلك من إعجاز الله أو من الدورة الطبيعية للكون، حيث تُطبق مقولة “كما تدين تُدان”. أليس من عجائب الحياة التي نشاهدها يوميًا تجربة فيصل القاسم؟ الذي حرض على العلويين بالقتل والإبادة، فدارت الأيام، وكل فعل طلبه هؤلاء المتطرفون بحق العلويين، فعله المتطرفون أنفسهم بحق أهل وعشيرة فيصل القاسم. فاليوم، كل طفل درزي ذُبح، وكل امرأة اغتصبت وقُتلت، وكل رجل أُعدم في الساحات، وكل دمعة حزن على خد طفل يتيم، سببها فيصل القاسم. ولا أعتقد أن أهل الحكمة الدروز ستفوتهم هذه العبرة. فإن لم يقتصوا من فيصل القاسم وأمثاله ويعتذروا عن هذه الأقوال، فإنهم لن يرتاحوا يومًا، فالطبيعة والنظام العالمي يعاقبهم بما سعوا فيه لمعاقبة غيرهم.

سمو الأمير، ألا تعتقد أنه ما يطبق على فيصل القاسم سيطبق على الدول العربية، التي حرضت ودفعت ودمرت وساهمت في تدمير كل شيء جميل حولها؟ إذا كان الإنسان الذي يقطع شجرة يدفع ثمن فعلته تصحرًا وحرًا وضيقًا في التنفس، وأمراضًا وأوبئة ومجاعة وشحًا في المطر، فكيف ستكون نهاية من يقطع أرزاق الناس أو يساهم في قتلهم؟

سمو الأمير، عندما خُدعوا بأن تكون سوريا إسلامية، لم يخبروكم بأنه حينها ستكون تركيا علمانية. فكون سوريا الإسلامية ضعيفة وممزقة، بلا جيش قوي وفاعل، أهون بكثير من أن تكون تركيا إسلامية وهي على تخوم أوروبا وشريكة في حلف الناتو.

لكن اليوم، أدركت تركيا مؤخرًا بعد سقوط الإخوان في مصر ووفاة محمد مرسي في السجن عام 2019، وما يجري في غزة للقضاء على الإخوان المسلمين المتمثلة بحماس، وأيضًا طرد الإخوان من تونس، وما بدأ يحدث أيضًا في قطر، وغدًا سيكون السقوط مدويًا في تركيا مع عودة العلمانية.

سموكم، العالم يتغير حولنا، فإذا كان ممنوعًا على الدول العربية أن تكون وسيطًا، فكيف ستتخذ قرارًا بالمواجهة أو الانحياز إلى طرف دون الآخر؟ سمو الأمير، الذين يقودون العالم يدركون حجم أزمة العرب والمسلمين، ويعرفون أيضًا أن إسرائيل قادرة على تحقيق حلمها “من الفرات إلى النيل ومن الأرز إلى النخيل”، ليس لأنها قوية، بل لأن الطبيعة الكونية لم تعد تتقبلنا كما نحن، وهذا ما “جنته براقش على نفسها”.

إن كنتم تريدون الحياة والمكانة، فعليكم ببناء الإنسان قبل البنيان. وعليكم أن تتقدم أمتنا النخب الفكرية الحقيقية، لا أولئك اللصوص الذين يشترون الأفكار ويسرقون النصوص.

سموكم، أعتذر عن الإطالة، لكنني حاولت أن أختصر التاريخ والمستقبل في بضع كلمات. وفي حال وصلتكم رسالتي هذه، أرجو أن تعمموها على بقية الحكام العرب.

تقبلوا، سموكم، فائق الاحترام والتقدير والتبجيل.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment