د. إسماعيل المسلماني *
تشهد القمّة العربية المقبلة حالة من الترقب الشديد على المستويين الشعبي والسياسي، إذ يتساءل المراقبون عما إذا كانت ستتجاوز تقليدها التاريخي المتمثل في بيانات الشجب والإدانة، أم أنها ستغامر باتخاذ موقف حاد يعبّر عن وحدة الموقف العربي في مواجهة التحديات الراهنة. فمنذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، ظلّت القمم محكومة بمعادلة دقيقة تجمع بين الرغبة في إظهار التضامن العربي وبين القيود التي تفرضها الخلافات الداخلية والمصالح المتباينة للدول الأعضاء. وقد أظهرت التجربة التاريخية أن لحظات الإجماع العربي كانت نادرة، وغالبًا ما ارتبطت بوقائع استثنائية، بينما ظل النمط الغالب هو الاكتفاء ببيانات عامة تُسجّل موقفًا دون أن تتحول إلى سياسات تنفيذية ملزمة.
إن قراءة الخلفية التاريخية تساعد على فهم الحاضر؛ ففي الخمسينيات والستينيات ارتبطت القمم بخطاب قومي وحدوي وقرارات أكثر حدّة تجاه قضية فلسطين، غير أن الانقسامات التي ظهرت منذ السبعينيات، خصوصًا عقب اتفاقية كامب ديفيد، أسست لمرحلة من التباعد العربي انعكس في لغة أكثر تحفظًا. ومع نهاية الحرب الباردة وبروز النظام الدولي الجديد، تحولت القمم تدريجيًا إلى منصّة لتنسيق المواقف الرمزية أكثر من كونها أداة لاتخاذ خطوات عملية، وهو ما خلق فجوة بين الخطاب الرسمي والتوقعات الشعبية.
في ظل هذا الإرث التاريخي، تأتي القمّة الحالية في سياق بالغ التعقيد؛ فالمشهد الإقليمي يتسم بتصاعد النزاعات في أكثر من ساحة، وبانقسام الأولويات بين الدول العربية تبعًا لاختلاف التهديدات والمصالح. ويضاف إلى ذلك ضغط الرأي العام العربي الذي يطالب بمواقف أكثر صرامة، مقابل حسابات الحكومات التي تخشى أن يؤدي التصعيد إلى الإضرار بعلاقاتها مع القوى الدولية الكبرى أو بمصالحها الاقتصادية. هذا التباين يفسر التردد المستمر بين إصدار بيانات قوية في لهجتها وضعيفة في مضمونها، وبين التلويح بمواقف أكثر تشددًا يصعب ترجمتها إلى إجراءات عملية.
وعلى ضوء ما هو متوقع يوم الأحد والاثنين، تبدو الأجواء مهيأة لصدور بيان سياسي يحمل عبارات شديدة اللهجة ضد الأطراف المسؤولة عن التصعيد، مع التأكيد على التضامن العربي والدعوة إلى وقف فوري للأعمال العسكرية. ومن المرجّح أن تشهد جلسات الأحد نقاشًا داخليًا محتدمًا بين الدول الأكثر تشددًا في خطابها وتلك التي تميل إلى التهدئة، في حين يُنتظر أن يُحسم الجدل يوم الاثنين عبر صياغة نهائية للبيان الختامي تُراعي الحد الأدنى من التوافق. هذا يعني أنّ المخرجات ستتراوح بين خطاب حاد موجه للرأي العام العربي والدولي من جهة، وبين مضمون سياسي ودبلوماسي لا يتضمن خطوات عملية ملزمة من جهة أخرى.
التوقعات والاحتمالات :
- تصعيد دبلوماسي جماعي : قطر دعت إلى "رد جماعي" من الدول العربية والإسلامية، والكل بانتظار موقف موحد يردع إسرائيل عن تكرار مثل هالضربات.
- إعادة تقييم الوساطة : قطر كانت تلعب دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، لكن بعد الهجوم، رئيس الوزراء القطري قال إنهم يعيدون النظر بكل شيء.
- موقف أمريكي متوتر : الرئيس ترامب عبّر عن "قلقه" من الهجوم، لكن ما أدان إسرائيل بشكل مباشر. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن تحاول تهدئة الأمور.
- إجراءات قانونية محتملة : في حديث إعلامي، قطر لمّحت إلى اتخاذ خطوات قانونية ضد إسرائيل، وقد تُطرح هذه الفكرة خلال القمة.
التوقع العام؟
ممكن نشوف قرارات قوية، لكن التحدي الحقيقي هو توحيد الموقف العربي والإسلامي، خصوصًا في ظل التباينات السياسية بين الدول. القمة قد تكون نقطة تحول في طريقة التعامل مع إسرائيل دبلوماسيًا، وربما حتى في ملف غزة والرهائن.
وعليه يمكن القول إن مستقبل القمم العربية يظل رهينًا بإرادة الدول الأعضاء في تجاوز حساباتها الضيقة لصالح بناء موقف جماعي مؤسسي. فإذا ما استمرت القمم على نهجها التقليدي في الاكتفاء بالخطاب الرمزي، فإنها ستفقد تدريجيًا ما تبقى من رصيدها لدى الشعوب العربية، بينما يشكل التحول نحو قرارات عملية حقيقية فرصة لإعادة بناء الثقة بين النظام الرسمي العربي وجماهيره. التحدي إذن ليس في إصدار بيانات شديدة اللهجة كما يُتوقع مطلع الأسبوع المقبل، بل في القدرة على ترجمة تلك البيانات إلى فعل سياسي يغيّر الواقع.
* مختص بالشان الإسرائيلي
Comments