bah استراتيجية تفكيك العالم العربي: لبنان نموذجًا، والحرب بانتظار القرار الشيعي.* - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

استراتيجية تفكيك العالم العربي: لبنان نموذجًا، والحرب بانتظار القرار الشيعي.*

09/17/2025 - 17:53 PM

absolute collision

 

 

 

 

 

 

بقلم: ناجي علي امهز

 

لم يعد العالم العربي لاعبًا أساسيًا في المعادلات الدولية، فكارثة غزة وما تبعها في لبنان واستهداف قطر، تشير إلى نهاية المشرق العربي كما نعرفه. من يرى غير ذلك، فهو ينشد الرثاء على أطلال الماضي، غافلاً عن التحولات الجذرية التي تعصف بالمنطقة.

تمتلك إسرائيل اليوم مفاتيح السلطة المطلقة على غالبية الحكام العرب، الذين انكشف ضعفهم أمام الاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. هذه الاعتداءات تجاوزت المفاهيم التقليدية للحروب، لتدخلنا في حرب عالمية ثالثة تتكشف فظاعتها مع كل سلاح جديد. خير دليل على ذلك هو تفجير أجهزة الاتصال التي باتت قنابل موقوتة وأدوات تجسس متقدمة، قادرة على كشف أدق التفاصيل واختراق الخصوصيات.

كما كشفت هذه الأحداث عن حجم التقنيات والأسلحة الإسرائيلية المتطورة، والتي جعلت الأسلحة العربية "خردة" لا يمكن استخدامها إلا بشيفرات محددة وضد بعضهم البعض أو ضد شعوبهم في عمليات القمع الداخلي. لقد استنزفت الدول العربية تريليونات الدولارات على هذه الأسلحة عديمة الجدوى في أي مواجهة حقيقية مع إسرائيل أو أمريكا.

حتى لو أرادت القيادات العربية المواجهة، فقد قام الإعلام العربي بدور فعال في زرع الشقاق والانقسام بين الدول والشعوب، وسوريا ولبنان خير مثال على ذلك التفتيت الممنهج.

لقد نشرت مقالاً في 13 نوفمبر 2024 (قبل سقوط بشار الأسد بشهر تقريبًا) بعنوان: "بحال هزمت المقاومة: استيطان إسرائيلي، سوري، فلسطيني، الشيعة إلى العراق، الدروز إلى وادي التيم، وقيام دولة علوية." هذا المقال يشرح السيناريو الكامل للمنطقة بدقة متناهية، وما تسمعونه اليوم من تحليلات وتكهنات ليس إلا تهريجًا في سيرك السياسة والمعرفة.

إعلان الحكم المستقل لدروز السويداء هو نموذج عملي لتفتيت العالم العربي وتقسيمه إلى إثنيات وعرقيات متقاتلة. وبنجاح النموذج الدرزي، ستتبع نماذج مسيحية وشيعية وعلوية، في خطة تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة. هذا التقسيم ليس صدفة، بل هو مخطط أُعد له بإتقان منذ الحرب العالمية الثانية، حين بدأت عملية تجميع اليهود من خلال اضطهادهم ودفعهم بالنار والبارود خارج أوروبا وتجميعهم في فلسطين، التي تحول جزء كبير منها دوليًا إلى إسرائيل.

وبعد استقرار إسرائيل في المنطقة، أصبح لزامًا عليها تفتيت العالم العربي وتقسيمه ليس فقط لضمان السيطرة عليه، بل أيضًا لمواجهة التكتلات البشرية التي تشكل خطرًا ديموغرافيًا على أمنها.

سيكون الحكم الذاتي في السويداء نقطة ارتكاز للتجمع الدرزي. ولتجميع الدروز في دولة درزية بالسويداء، كما حدث مع اليهود في فلسطين، يتطلب الأمر حربًا داخلية في لبنان تدفع بدروز جبل لبنان إلى الهجرة في البداية إلى وادي التيم، ومن ثم نقلهم من وادي التيم إلى السويداء خلال ساعات قليلة، فالمسافة بين المنطقتين لا تتطلب أكثر من ثلاث ساعات.

أما الموارنة، فدولتهم محددة تاريخيًا بمتصرفية جبل لبنان (يمكن العودة إلى خرائط العثمانيين). هذه الدولة لن تكون فقط مارونية، بل ستكون الولاية الأمريكية 51 الجديدة، حيث سيتمتع سكانها بجوازات سفر أمريكية وربما حق التصويت في الكونغرس الأمريكي.

لقد كتبت في 28 أكتوبر 2021 مقالاً بعنوان: "لبنان رغم صغر حجمه صنع أمريكا وهو أكبر دولة بين الدول العربية وأشدهم بأسًا". وهذا يفسر المشاريع الأمريكية الضخمة في لبنان، وأكبرها بناء ثاني أكبر سفارة أمريكية في العالم، بالإضافة إلى الضغط الكبير لإخراج الفرنسيين من المعادلة اللبنانية، ومنحهم بدلاً من لبنان نفوذًا على الساحل السوري.

غالبية المسيحيين مهيئون للاندماج الكامل في هذه الصيغة التي بدأت تتضح معالمها، مع العلم بأنها وُضعت أسسها في سياسات الرئيس شمعون، ولكن بصورة تشمل كل لبنان وليس فقط منطقة جبل لبنان، وباستقلالية أكبر للمكون المسيحي.

الذي يؤخر هذا المشروع الآن هو القوى المناهضة لأمريكا، المحصورة تقريبًا في الطائفتين الإسلاميتين السنية والشيعية.

حل مشكلة الطائفة السنية سهل جدًا، فالثقل السني، ومن بينهم المناهض لأمريكا، يتركز في طرابلس، التي أصبحت أفقر مدينة على حوض البحر الأبيض المتوسط بعد عقود من العمل على إهمالها وحرمانها، مما جعلها مهيأة للانضمام إلى سوريا.

لمعرفة هذه التفاصيل عن البقاع وطرابلس وبداية معرفة وليد جنبلاط بالمشروع الجديد وأسباب انضمام طرابلس والبقاع ولماذا كانا يعنيان الحرمان المزمن، يمكن العودة إلى مقالي في 4 مايو 2024 بعنوان: "وليد جنبلاط واستقبال كبير في عاصمة الأم الحنون للموارنة".

تبقى الطائفة الشيعية. فكما سيتم تجميع الدروز في السويداء (لأن 500 ألف درزي لا يكفون لإنشاء حكم ذاتي، وكذلك 300 ألف درزي في لبنان لن يغيروا في المعادلة)، وكما سيعود العلويون إلى الساحل السوري (وهم حصة فرنسا في تقسيم بلاد الشام)، وكما سيندمج المسيحيون مع القرار الأمريكي الذي سيمنحهم أعظم الامتيازات في المنطقة، يبقى الشيعة.

يُعتبر الشيعة حتى هذه اللحظة امتدادًا إيرانيًا بالنسبة إلى المجتمع الدولي، ولا يملكون آلية واضحة لحكم ذاتي، خاصة وأن لا أمريكا ولا إسرائيل ولا حتى أي دولة في العالم ستوافق على منح الشيعة حكمًا ذاتيًا أو مستقلاً مع أهدافهم المعلنة بإزالة إسرائيل والموت لأمريكا. بمعنى أوضح، لو لم يكن الشيعة في عداء مع إسرائيل، لسمح لهم العالم بالاحتفاظ بسلاحهم الثقيل والمتوسط والخفيف، كما سمح للدروز في السويداء وكما سيسمح للعلويين في الساحل. لكن بما أن سلاح الحزب موجه ضد إسرائيل، فإنه يجب نزع هذا السلاح باتفاق أو حرب أو ضغط.

لذلك، الحرب على لبنان ستكون الحرب الأخيرة، لأنها ستساهم في إخراج الدروز وانتقال طرابلس إلى ولاية سوريا، وتهجير العلويين اللبنانيين إلى الساحل السوري. إن أي حرب جديدة على لبنان لن تبقي على لبنان الذي نعرفه.

المتمسكون بالحل ومحاولة إبقاء الشيعة في لبنان هم المسيحيون، وتحديدًا الكنيسة المارونية التي تريد بقاء الشيعة معها وفي تعايش تام. لكن عقبة المسيحيين المندمجين في المشروع الأمريكي هي كيفية إبقاء الشيعة المعارضين لأمريكا لأسباب شرحناها. كما أن الكنيسة تخشى أنه ربما بعد عقدين أو ثلاثة، قد يرحل الأمريكيون من لبنان أو تحدث متغيرات سياسية وتعود القوى الإسلامية بقوة لألف سبب وسبب، فكيف سيصمد المسيحيون في المشرق العربي وهم نقطة في بحر سني؟ لذلك لا تريد الكنيسة خسارة الشيعة. هناك مقولة قديمة جدًا وشهيرة بين رجال الكهنوت لأحد كبار الكنيسة المارونية تقول: "الموارنة شجر التفاح والشيعة شجر الكرز، وعندما نريد رد الثلج والصقيع عن أشجار التفاح نزرع حولهم أشجار الكرز، لأن الكرز قوي ويحمل صقيع وعواصف."

هذا هو اليوم جوهر الصراع.

إن الأقليات، بعدما فعلته إسرائيل بالشعب الغزاوي، وإظهار العجز العربي التام حتى عن تأمين مياه الشرب للشعب الفلسطيني، وبعد عجز الدول العربية عن وقف المد الإسلامي المتشدد التكفيري الذي ارتكب المجازر في العراق وسوريا ولبنان بحق الأقليات الدينية والطائفية، فقدت هذه الأقليات الثقة بأي انتماء إلى هذا العالم العربي المتصدع.

اليوم، تم تأخير الحرب على لبنان لأشهر من أجل نضوج تسوية تؤمن هذا الانتقال بأقل تكلفة وخسائر ممكنة. وعلى الطائفة الشيعية أن تحدد مشروعها بوضوح: فإن كان حكمًا ذاتيًا، فعليها إشهار وثيقتها السياسية وهي الحياد التام أقله، أو أن تقرر البقاء مع الموارنة كما الموارنة يفضلون البقاء معها، لكن حينها تكون السلطة الكاملة للدولة التي هي خارج عداء مع إسرائيل وأمريكا، أو أن عليهم الاختيار بين الهجرة إلى إيران والعراق.

أعلم أن البعض سينكر هذه الصيغة ويستهجنها، لكن عليه أن يتذكر جيدًا أنه لولا توقف الحرب على لبنان، لكان عشرات الآلاف من الشيعة ما زالوا في العراق وإيران نازحين، كما حال النازحين السوريين في لبنان.

وعليكم ان لا تنسوا وانتم تشاهدون امامكم كيف تم افراغ سوريا من ملايين السوريين وتشتيتهم في العالم من اجل تطبيق هذا السيناريو الجديد للعالم العربي، فالمسجلين بالامم المتحدة فقط 7 مليون نازح سوري اضافة الى 9 ملايين نازح سوري داخل سوريا.

 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment