bah الإقتصاد الفرنسي: تراكم الأزمات وتصاعد الإحتجاجات - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الإقتصاد الفرنسي: تراكم الأزمات وتصاعد الإحتجاجات

05/05/2019 - 01:49 AM

Prestige Jewelry

 

 

Image result for ‫الإقتصاد الفرنسي‬‎

فؤاد الصباغ*

يعاني الإقتصاد الفرنسي منذ بداية هذه العشرية من عديد العوائق والصعوبات بحيث إنعكست تراكم تلك الأزمات علي الأوضاع الإجتماعية مما زادت بالنتيجية في تصاعد الإحتجاجات الشعبية تحت ما يسمي بأصحاب السترات الصفراء. إذ يوافق يوم 1 مايو من كل سنة اليوم العالمي للشغل وذلك للإحتفال بمكاسب الطبقات العمالية الكادحة حول العالم. ففي هذا السياق تمثل نقابات الشغل في مجملها المدافع الرسمي عن حقوق العمال في كل دولة من دول العالم. وذلك إما بالقوة عن طريق الإضراب العام أوالسلمية عن طريق المسيرات الإحتجاجية المطالبة بالإصلاحات الهيكلية العامة والتي تشمل المطالبة بالزيادة في الأجور أوتحسين الخدمات الإجتماعية والرعاية الصحية والتعليم.

يمثل هذا الحدث اليوم بفرنسا نقمة كبيرة لدي أغلب الطبقات العمالية نظرا لتردي جميع المرافق الحيوية الراعية للمكاسب الوطنية لهذه الشريحة الكادحة منها غلاء الأسعار وإنخفاض الأجور بحيث تدهورت المقدرة الشرائية بشكل ملموس وملحوظ. كما أيضا منها ما هو مادي أوخدماتي, على الرغم من المفاوضات التي تجري كل سنة بين الحكومة الفرنسية والنقابات العامة قصد إجراء الإصلاحات الهيكلية الراعية لمصالح العمال.

فكان هذا اليوم الإحتفالي من غرة ماي نقمة وسخط وتذمر شعبي وعدم الرضاء العام علي ما ألت إليه ظروف عيش الفرنسيين من الطبقات الوسطي والفقيرة. فعلي الرغم من سلسلة الإحتجاجات لأصحاب السترات الصفراء التي إنطلقت منذ نهاية السنة الماضية 2018 وبالتوالي في كل يوم سبت من الأسبوع لم تستجب علي ضوءها الحكومة الفرنسية لمطالب تلك البراكين الشعبية الهائجة بحيث كان يوم إحتفال عيد العمال بفرنسا لسنة 2019 الموافق ليوم الإربعاء يوما من التمرد الشعبي والعصيان المدني مشابها كثيرا لأيام السبت السابقة.

Image result for ‫دور النقابات الفرنسية في إحداث فجوة كبيرة في الخدمات‬‎

الرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون 

 

هذا اليوم العالمي الموافق لـ 1 مايو 2019 سيذكره التاريخ الوطني الفرنسي, حيث إنفجرت فيه قنبلة الكبت والقمع الحكومي لتلك الطبقات من العمال الكادحة لتخرج مجددا جحافل السترات الصفراء وتدخل في صراع مباشر مع قوات الشرطة الفرنسية. لكن التطور الخطير أن هذه المظاهرات السلمية المطالبة بتحسين ظروف العيش والمقدرة الشرائية للطبقات العمالية تحولت إلي أعمال تخريب وتصادم مع قوات الأمن الفرنسي حيث سجلت بعض أعمال التخريب والحرق للسيارات في بعض ضواحي باريس. أما الحكومة بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون فهي غير مهتمة كثيرا لهذه المطالب الشعبية التي إنطلقت منذ بداية شهر أبريل من سنة 2018 عن طريق إضراب عام عمال السكك الحديدية ثم بعد ذلك عمال أغلبية الشركات الخاصة وأيضا عمال الخطوط الجوية الفرنسية.

ومن المعروف عن دور النقابات الفرنسية في إحداث فجوة كبيرة في الخدمات من خلال قرارها إعلان الإضراب العام الذي أحيانا يشل جميع الحركات الإقتصادية أو تنقل الأشخاص مما يسبب خسائر مالية ضخمة وفادحة لخزينة الدولة. كما تواصلت سلسلة الإضرابات لتتحول بعد ذلك إلى حركة إحتجاجية متواصلة منذ أواخر سنة 2018 لتشكل بذلك ملامح تعاسة الوضع الإجتماعي والإقتصادي الفرنسي من خلال ما يسمي إحتجاجات السبت الباريسية الصفراء.

كما تدل جميع المؤشرات الإقتصادية علي تدهور تلك الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية خلال أواخر هذه العشرية التعيسة علي ظروف الفقراء والمحتاجين الفرنسيين خاصة منها إنخفاض الرصيد الخارجي للسلع والخدمات (% من إجمالي الناتج المحلي), إنخفاض الناتج المحلي الإجمالي بالدولار وإنخفاض معدل مشاركة القوي العاملة مع تذبذب بقية المؤشرات بشكل ملحوظ وبصفة ضعيفة إجمالا مما يؤشر علي بوادر إنكماش إقتصادى خاصة منها في ظل الضبابية لعدم الإستقرار الإجتماعي. إن تراكم الأزمات عبر العجز في الميزانية وتفاقم المديونية وسط بيئة يسودها غياب العدالة الإجتماعية وغلاء للأسعار مع تدهور كلي للمقدرة الشرائية كانت في مجملها لها تأثيرات سلبية مما أدت بالنتيجة إلي عدم الإستقرار الإقتصادي الكلي.

تحول هذه المظاهرات الإحتجاجية إلى ثورة صفراء حقيقية بفرنسا ممكن أن تتسبب نتائجها بالإطاحة بحكومة ماكرون الرأسمالية الموالية لأصحاب النفوذ المالي ولوبيات رجال الأعمال خاصة أنها مازالت لا تولي إهتمام كبير لظروف عيش العمال المحتاجين كما أن معدل الأجور ونسق الزيادة فيها يعتبر نوعا ما متدهورا مقارنة مع الأجر الأدني لبعض الدول الأوروبية الأخري مثل ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا. إن هذا الإنفجار العمالي للمطالبة بتحسين الظروف الإجتماعية له إنعكاسات سلبية علي الإقتصاد الفرنسي, إذا ما قررت نقابات الشغل الفرنسية في الدخول في إضراب عام متواصل منصهرة بذلك مع حركات إحتجاج أصحاب السترات الصفراء.

فالأحداث التي تشهدها فرنسا حاليا والتي بدأت شعلتها في أواخر سنة 2018 تمثل جرس إنذار لحدوث عصيان مدني متواصل خاصة وأن نقابات العمال الفرنسية وحراك أصحاب السترات الصفراء أصبح لهم مطالب سياسية متمثلة في الإطاحة بالنظام الرأسمالي الفرنسي برمته وتأسيس نظام ديمقراطي شعبي إشتراكي تقوده جهات حزبية لها رؤية إقتصادية يسارية معتدلة. إذ في هذا الصدد جميع النقابات العمالية الكادحة بفرنسا متمسكة بمطالبها والتي تعد من أولياتها وأهداف مطالبها تحسين الظروف المعيشية والتوزيع العادل للثروة الوطنية مع تحقيق العدالة الإجتماعية. بالتالي يمثل تدهور الأجر الأدنى عائق مالي رئيسي لدي أغلب الطبقات العمالية التي أصبحت غير قادرة على تحقيق المعادلة بين المقدرة الشرائية والرواتب الشهرية.

عموما, يعتبر اليوم العالمي للعمال إحتفالا تسوده السعادة والرفاهية وليس إعتصاما وإحتجاجا نقمة علي الأوضاع المعيشية. إن ما تشهده حاليا فرنسا المريضة من أحداث عنف وحرق وتخريب مع الدخول في صراع مع قوات الأمن مؤشرا واضحا علي تدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية بهذا البلد التعيس في تلك القارة العجوز التي أصبحت تعاني من الأمرين منها عدم إستقرار إقتصادي نتيجة لتراكم الأزمات وعدم إستقرار إجتماعي تنيجة لتصاعد الإحتجاجات.

أما بالعودة إلي حقبة الماضي فالتجربة الإقتصادية الإشتراكية التي إنطلقت في عهد الجنرال ديغول وتواصلت في عهد الزعيم فرانسوا ميتيرون وخاصة خلال حقبة حكم الرئيس فرانسوا هولاند تعد ممتازة مقارنة مع حقبة حكم اليمين الفرنسي الليبرالي والرأسمالي تحت قيادة نيكولا ساركوزي أو إيمانيويل ماكرون التي لم تراعي الحد الأدنى للحقوق الإجتماعية للطبقات الفقيرة. إذا يمكن القول اليوم أن الأحزاب الإشتراكية واليسارية مع تحالفها مع نقابات الشغل العامة تمثل البديل الوحيد لتوحش النظام الرأسمالي الذي أفقر البلاد والعباد بفرنسا وأدي إلى إنفجار تلك الفقاعة الإحتجاجية الصفراء مجددا للطبقات العمالية الكادحة في يوم عيدها العالمي. 

 

*باحث اقتصادي دولي

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment