bah الإقبال علي شراء الثياب المستعملة "الفريب" بدول المغرب العربي الكبير - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الإقبال علي شراء الثياب المستعملة "الفريب" بدول المغرب العربي الكبير

08/03/2019 - 01:12 AM

Atlas New

 

فؤاد الصباغ*

 

 

الأسواق الشعبية بأغلب دول المغرب العربي الكبير منها بالأساس في تونس, الجزائر والمغرب وموريتانيا فهي إجمالا تشهد حركية كبري وإقبالا مكثفا علي ما يسمي بعملية الفرز في أكوام الثياب المستعملة والمعروفة بلغتنا العامية "بالة الفريب" من قبل أغلب العامة المارين وخاصة منهم الطبقات الإجتماعية الفقيرة. إذ يحظي هذا القطاع التجاري الحيوي بإهتمام كبير ومتزايد من قبل أكبر التجار خاصة منها بالأسواق الأسبوعية أو أيضا في سائر الأيام بأحواز المناطق الشعبية والمحلات العادية.

ففي هذا الصدد يعتبر هذا القطاع مربحا جدا بحيث تكسب أغلب التجار الكبار الملايين من الدولارات شهريا عبر تنزيل السلع بالجملة من الخارج وتوزيعها علي التجار الصغار في الأسواق. إلا أنه في المقابل تشكل هذه النوعية من "التجارة الشعبية" الموازية خطرا حقيقيا علي الإقتصاديات الوطنية لتلك الدول وهي تصنف في مضمونها ضمن السلع الشعبية الرخيصة الثمن والمشابهة كثيرا في أسعارها للتجارة الصينية التي أدت إلي إفلاس العديد من الشركات العالمية في قطاع النسيج خاصة منها الشركات الصغري والمتوسطة.

إذ بإعتبار أن أغلبية الطبقات الشعبية بتلك الدول هي فقيرة جدا, فإن تلك السلع تمثل لهم توفيرا إضافيا ماديا أو تقشفا لمداخليهم المالية الشهرية التي تخصص في قسطها الكبير لإستخلاص الفواتير من كهرباء وماء وهاتف أو كهراء منزل وغيرها من المصاريف اليومية مثل الأغذية والتنقل والتعليم. عموما علي الرغم من إيجابيات الربح المالي المهول للتجار المستثمرين في ذلك المجال عبر البيع والشراء في الثياب المستعملة والمضاربة المالية بالأسعار في سوق "الفريب" نظرا للإقبال الشعبي الكثيف علي "البالة" و للأسعار الرخيصة التي تعتبر منخفضة جدا وفي متناول الجميع مقارنة مع الثياب الجاهزة والموضة بالمحلات الكبري المعروفة "بالبوتيكات" بحيث تعتبر سلعها باهظة جدا وتقدر عليها فقط القليل من الطبقات الميسورة الحال.

فإنه في المقابل تعتبر السلبيات لتلك النوعية من التجارة مضرة للشركات الصغرى والمتوسطة في قطاع النسيج ولها أيضا تأثيرات سلبية وعميقة مباشرة علي الإقتصاد الوطني لتلك الدول التي مازالت تراهن علي السوق الحرة الرأسمالية وتدعم دائما رجال المال والأعمال والقطاع الخاص وتشجع علي الإستثمار في قطاع النسيج.

إقبال شعبي كثيف وأسعار في متناول الجميع

إن طوابير الفرز اليومية أو الأسبوعية بالأسواق الشعبية علي أكوام الثياب المستعملة "الفريب" تشكل اليوم الحدث البارز لدي أغلب المتابعين لذلك القطاع التجاري الصاعد والواعد والذي أصبح مؤخرا يشكل سوقا مربحة جدا تحقق للتجار الصغار ما يقارب بين 1000 إلي 2000 دولار ربحا صافيا يوميا. فذلك الإقبال الشعبي الكثيف له مبرراته وذلك نظرا لجودة المنتجات المتوفرة للبيع في "البالة" أو أيضا للأسعار الرخيصة جدا مقارنة مع الثياب الجاهزة الباهظة جدا.

فالمواطن المغاربي أصبح اليوم يفضل إستهلاك الملابس المستعملة نظرا لإيجاده أحيانا "ماركات عالمية" مازالت قابلة للإستعمال أو بالأحرى مازالت نظيفة أو شبه جديدة لم يلحق بها ضررا كبيرا وسعرها يعتبر معقولا وفي المتناول للجميع. إن أغلبية شعوب دول المغرب العربي الكبير تصنف كطبقات شعبية محدودة الدخل بحيث مازالت تعاني أغلبها الفقر والحرمان وغيرها من المشاكل الداخلية مثل غلاء المعيشة وإرتفاع الأسعار نتيجة التضخم المالي وتدهور القدرة الشرائية إجمالا. فأسواق "الفريب" تعد لهم أفضل الأماكن للتسوق والشراء وذلك لتعويض ذلك الضرر المالي الذي مازالت تعاني منه أغلب تلك الشعوب المضطهدة الفقيرة في بلدانهم.

بالإضافة إلي ذلك تعتبر القيود المفروضة علي المنتجات الشعبية الصينية خاصة منها علي الملابس الجاهزة بتلك الدول في مجملها صارمة ومشددة خاصة منها عبر فرض ضرائب مجحفة علي التجار الصغار أو نتيجة للسياسة التجارية الحمائية التي تتبعها تلك الدول قصد إنعاش منتجات الشركات المحلية في قطاه النسيج والملابس الجاهزة. بالنتيجة ترتفع أسعار تلك المنتجات الشعبية الصينية من ملابس وأحذية وغيرها لتحتل المرتبة الثانية محليا بعد سوق الملابس المستعملة "الفريب" التي ما زالت تحظي بالمرتبة الأولي إقبالا شعبيا وأسعار رخيصة في متناول الجميع.

أما بالنسبة لشركات النسيج المحلية أصبحت منتجاتها ضحية وغير قابلة لمنافسة الملابس المستعملة نظرا لغلاء أسعارها بحيث أصبحت تحتل تلك المنتجات المرتبة الثالثة محليا بعد ملابس الفريب الشعبية ومنتجات الصين الشعبية.

تأثيرات سلبية علي الإقتصاد الوطني لدول المغرب العربي الكبير

إن الرهان الإستراتيجي للإقتصاديات الوطنية لدول المغرب العربي الكبير مازال مرتكزا بالأساس علي عقلية السوق الرأسمالية الحرة ودعم القطاع الخاص وخاصة منها علي تحفيز المبادرة والإستثمار وتشجيع بعث المشاريع ومنتجات الشركات الصغري والمتوسطة. إلا أن هذا التحرر في الأسعار والأسواق لم تثمر نتائجه الفعلية إلي حد الآن بحيث تضررت من سياساته العديد من الشركات الخاصة الصغري والمتوسطة نتيجة لعدم قدرة منتجاتها علي مواجهة المنافسة في السوق المحلية وبالنتيجة أعلنت إفلاسها.

ففي هذا الصدد يجب وضع النقاط علي الحروف بإعتبار أن أغلبية الطبقات الإجتماعية بتلك الدول هي في الأصل طبقات "شعبية وفقيرة" بحيث تتحكم الأسعار في سياسة إنفاقها نظرا لتدهور المقدرة الشرائية بحيث أصبح المستهلك يقبل أولا علي منتجات "السوق السوداء" من محروقات علي قارعة الطريق والمهربة خاصة بدولة تونس أو إلي إستهلاك الملابس المستعملة "الفريب" في مجمل دول المغرب العربي الكبير نظرا لرخص أسعارها مقارنة مع الملابس الجاهزة بالمحلات الفاخرة.

فلتسليط الضوء بالتحديد علي سوق الملابس المستعملة "الفريب" نلاحظ أن أغلب شركات النسيج الصغري أصبحت اليوم بتلك الدول عاجزة تمام العجز علي ترويج سلعها بالسوق المحلية، مما أدت بالنتيجة إلي توجيه سلعها نحو الأسواق العالمية أوإعلان إفلاسها نظرا لتضررها الشامل والكامل. بالتالي أصبحت كلفة الإنتاج مرتفعة جدا وأضحت منتجاتها من الملابس الجاهزة مرتفعة أسعارها بحيث أصبحت بدورها غير قادرة علي منافسة أسعار تلك المنتجات الشعبية منها الصينية للملابس الجاهزة والأحذية أو بالتحديد للملابس المستعملة في سوق "الفريب" الرخيصة جدا في أسعارها والتي مازالت تحتل حاليا المرتبة الأولي محليا من خلال الإقبال المتزايد والمتصاعد عليها.

إذ بإعتبار أن إقتصاديات تلك الدول التي هي مازالت بطبعها هشة وتعاني من عديد السلبيات والضعف أوالوهن علي مستوي "السياسة الجبائية" أو عدم قدرها وعجزها أحيانا علي إصلاح قطاعها الخاص, فإن "الأسواق السوداء" أصبحت اليوم تحظي إقبالا كثيفا من طرف الطبقات الإجتماعية نظرا لأسعار منتجاتها الرخيصة جدا، مما ألحقت بالنتيجة ضررا مباشرا بالتجارة المحلية وبالشركات الخاصة وبالتالي بالإقتصاد الوطني لمجمل تلك الدول بالمغرب العربي الكبير.

 

*كاتب تونسي و باحث اقتصادي

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment