bah منصات التعليم عن بعد داخل الجامعات العالمية: الآفاق والتحديات - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

منصات التعليم عن بعد داخل الجامعات العالمية: الآفاق والتحديات

01/26/2020 - 19:23 PM

Prestige Jewelry

 

 فؤاد الصباغ*

 

تعتبر العولمة الرقمية اليوم أهم مكسب عرفته البشرية بحيث طبعت سمات الحداثة والمعرفة مع تكريس ثقافة التحكم الجيد في التكنولوجيا الحديثة التي شكلت ملامح عالمنا هذا المعولم في أبسط جزئياته اليومية. فمما لا شك فيه تعد تلك الثورة الرقمية تحولا جذريا من الواقع التقليدي إلي الواقع الإفتراضي لتشكل بذلك تلك التكنولوجيا الجزء الأهم من أعمالنا ومعاملاتنا المحلية أو الخارجية.

فإستخدام التكنولوجيا لم يقتصر فقط علي قطاع المالية الإفتراضية من خلال بروز أسواق مالية يتداول في صلبها أي شخص ذوخبرة علمية ومهنية إحترافية والعملات المشفرة الرقمية ولو مازال البعض من خبراء الإقتصاد النقدي والمالي يشكك في جدواها القانوني والعملي علي المدى البعيد أو أيضا التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني، بل شملت مع بداية العشرية الفارطة إستخداماتها أغلب الجامعات العالمية ليتحول بذلك التعليم العالي برمته إلي التعليم عن بعد من خلال إنتشار ملحوظ لمنصات مدمجة داخل تلك المواقع الجامعية. فهنا يكمن مربط الفرس من جانب دراسة مدى فعاليتها للتحصيل العلمي أو لجلب الطلاب للإقبال عليها أولإنتداب الأساتذة من أجل التدريس عن بعد.

إذ في المقابل يبدو في هذا السياق الآفاق الإستخداماتية واعدة لكن تعتبر التحديات كبيرة وتشكل جزء مهم من عوائق التدريس الجامعي عن بعد. إن المنصات التعليمية عن بعد داخل أغلب الجامعات العالمية تمثل اليوم ثمرة من ثمرات الإبتكار والتجديد التكنولوجي في نمط التدريس وذلك من أجل تسهيل وصول المعلومات بشكل أسرع وأنجع للطلاب في شتي بلدان العالم. فالغرض من تلك المنصات يتمثل بالأساس في إعادة هيكلة وتدريب الأساتذة بالدرجة الأولي من أجل مزيد الإنفتاح علي الفضاء الرقمي العالمي والإسراع بالدرجة الثانية في التحول نحو العالم الإفتراضي ومواكبة المتغيرات العالمية التي ستشكل عالم "الربوتيك المستقبلي".

 فالتكنولوجيا أصبحت تمثل أساس المستقبل في شتي المجالات والقطاعات الحيوية للدول بحيث برزت مفاهيم علمية جديدة لم تكن متواجدة سابقا مثل الإقتصاد الرقمي، الذكاء الإصطناعي، عالم النانو والعمل عن بعد والتقنيات والتكنولوجيات الحديثة. إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال التنكر اليوم لتلك التحولات الجذرية بحيث أضحي العالم المستقبلي تكنولوجيا بإمتياز وممكن أن تتحكم فيه الآلة بشكل شبه نصفي أوكلي في القرون القادمة.

بالنتيجة جاءت تلك المنصات المدمجة في صلب أغلب الجامعات العالمية كمرحلة تكميلية أولي نحو تعجيل الإندماج الأكبر والأسرع في العولمة الرقمية العالمية وذلك من أجل تقليص العوائق والصعوبات التي تواجهها بعض الفئات من الطلاب مثل الإعاقات الجسدية، النساء الحوامل، الكبار في السن تحت مسمي التعليم المستمر مدى الحياة أو اللذين يرغبون في مواصلة الدراسة والعمل معا. إجمالا، توفر تلك الآفاق ملاذا آمنا لمواصلة التعليم في ظروف مستقرة ومستمرة مع إمكانية الحصول علي المحاضرات والأشغال التطبيقية من البوابات الجامعية الخاصة أو أيضا الولوج لتسجيلات الفيديوهات لتلك المحاضرات والأشغال في أرشيف كامل ومحدث بطريقة دائمة.

يعتبر التحصيل العلمي للطلاب عبر تلك المنصات الرقمية من خلال حسابهم الخاص في جوهرها أنجع وسيلة تعليمية تعوض حضورهم المباشر خاصة منها تلك الحالات الإجتماعية المادية الصعبة لبعض الطلاب بحيث يعجز أحيانا منهم في تسديد مصاريف وتكاليف سكنهم وأكلهم وتنقلهم أو سفرهم لمدن ودول أخرى من أجل الوصول إلي مقاعد الدراسة. فمنصات التعليم عن بعد داخل الجامعات العالمية قلصت بدورها من المشاكل الإجتماعية التي تواجهها تلك الشرائح من الطلاب لتجعل بالنتيجة التعليم الجامعي مفتوح في أي مكان وزمان وذلك بأقل التكاليف الممكنة.

إلا أن التحديات المستقبلية تعتبر هي أيضا الجزء المهم من جانب دراسة مدى جدوى ونجاعة تلك المنظومة الجامعية الجديدة علي المدى البعيد لأن البعض من الأساتذة غير قادرة بدورها علي إستخدام التكنولوجيا قصد التدريس عن بعد مثل متابعة تنزيلات المحاضرات أو إستخدام تطبيقات وبرمجيات خاصة مثل SPIP أوVirtual Classroom أوMoodle.

إذ في هذا السياق بدأت بعض الجامعات في إعداد مراحل تربصية للأساتذة المنتدبين خاصة منهم الشبان عبر التكوين والتدريب علي تلك المنصات حتي تواكب المتغيرات التعليمية العالمية المستقبلية. كذلك يشكو بعضهم من سوء إستخدام تلك التكنولوجيا في مجال التعليم عن بعد نظرا لإنقطاع الإتصال أحيانا أو الإصابة بصداع الأذنين من خلال التشويشات الإرسالية أو عدم جدية الطلاب أحيانا في متابعة تلك المحاضرات والدروس التطبيقية عن بعد.

 ففي بعض الدول المتقدمة على غرار فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية والتي قطعت أشواطا طويلة في دمج جميع جامعاتها بتلك المنصات للتعليم عن بعد أو حتى خلق جامعات مستقلة متخصصة برمتها للتعليم عن بعد بدون الإلزام بالحضور الإجباري للطرفين الطلاب والأساتذة تكونت في صلب تلك الجامعات مخابر بحث وتجديد يشرف عليها خبراء التكنولوجيات الحديثة من أجل تطوير وتحديث تلك القاعات الإفتراضية ومكونات الإتصال داخل تلك المنصات.

أما في البلدان العربية فمازالت تلك المنصات لا تحظي بإقبال هام أوهي حتي مازالت في طور مراحلها الأولي خاصة بجامعات الدول الخليجية أو الجزائر والمغرب أو مفقودة تماما في بعض الجامعات العربية الأخرى نظرا للتأخير في مواكبة متغيرات التكنولوجيات الحديثة أو الافتقار للبنية الرقمية أو حتى المعرفية اللازمة.

 فالتعليم الجامعي الإلكتروني المفتوح على الجميع أصبح مؤخرا واقعا ملموسا في أغلب جامعات الدول المتقدمة وهو يصنف "بالجيل الرابع" من التعليم بعد مروره بالعديد من التحديثات. بالتالي لمجابهة تراكم مشاكل الإنتدابات للأساتذة من خلال التعاقد بالمنظومة التعليمية التقليدية أصبحت تلك المنصات تمثل للحكومات مخرجا حقيقيا من تلك الأزمات وذلك عبر إعتماد آلية إنتداب الأساتذة بصفة مؤقتة وفقا "لتسعيرة الحصة الواحدة" للتدريس في صلب تلك المنصات منها تحضير المحاضرات والأشغال التطبيقية أو حتى تأطير بحوث الطلاب. كذلك ساهمت تلك المنصات للتعليم عن بعد في تقليص مشاكل عبء المصاريف الإضافية بالنسبة للطلاب التي تعاني بدورها من مشاكل مادية أو جسدية.

 

*كاتب تونسي و باحث اقتصادي دولي 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment