01/28/2020 - 21:01 PM
هكذا تبدو "لايبزيغ" من الجو
ألمانيا - جان بيار حبيب
إنها "لايبزيغ" Leipzig ثاني أكبر مدن ولاية ساكسونيا شرق ألمانيا الذي يبلغ عدد سكانها حوالي 600 ألف نسمة. إنها المدينة التي تشع بالمباني القادمة من عصر النهضة والعصر الباروكي، والمكان الذي يحتضن الأسواق التجارية القديمة والمعارض الفنية المتنوعة، كل ذلك جعلها وجهة سياحية مثالية لعشاق الفن والثقافة والتسوق.
مدينة الأبطال
تكرم المدينة "غوته" بمجسم خاص به
سحر وأهمية "لايبزيغ" لا تختذله فقط مبانيها التاريخية، وشوارعها التجارية، ولا حتى أزقتها الضيقة التي تمتلك كل الجمال الذي يدعوك لمشاهدتها والتمعن بها. فالمدينة إشتهرت على مر الزمن بكونها مركزاً تجارياً مهماً، ويرجع تاريخ معرض "لايبزيغ" للتجارة إلى العصور الوسطى، وهو اليوم أحد أشهر معارض البلاد. يتفاخر سكان "لايبزيغ" بأن مدينتهم تحمل لقب "مدينة الأبطال" لدورها الرائد في إنجاز الثورة السلمية عام 1989 عندما نظم سكانها الإحتجاجات ضد النظام الشيوعي ونزل مئات الآلاف من الأشخاص الى الشوارع.
وبين عراقة المباني وحكايات الأبطال تبرز "لايبزيغ" كصرحاً تربوياً مهماً، إذ فيها إنشأت جامعة "لايبزيغ" قبل حوالي 600 عام، وبذلك تكون إحدى أقدم الجامعات الألمانية ومنها تخرج الأديب الألماني "غوته"، والكاتب المسرحي ومؤلف الموسيقى الألماني "فاغنر"، ورئيسة الحكومة الألمانية الحالية أو المستشارة "أنغيلا ميركيل" وغيرهم كثر. في كنسيتها الأثرية الشهيرة "سانت توماس" St Thomas Church خطب المصلح الشهير "مارتن لوثر كينغ". وفي المدينة أيضاً صدرت أول جريدة يومية في العالم عام 1650.
ومن الجدير ذكره أن علم النفس ظهر كمصطلح مستقل عن علم الفلسفة في "لايبزيغ" حين قام العالم الألماني "فيلهلم فونت" Welhelm Wundt بإنشاء أول مختبر لعلم النفس في العالم. وبما أن جمال طبيعة "لايبزيغ" الأخاذ جذب كل من رآها، فهذا جعلها أرضاً خصبة لنشأة العديد من الفنانين الألمان أمثال المؤلف الموسيقى "باخ" والكاتب والأديب "غوتيه". ناهيك عن ذلك تسمية "لايبزيغ" بمدينة الأدب، إذ فيها المكتبة الوطنية "بيبلويتيكا ألبرتينا" Bibliotheca Albertina التي شيدت بين عامي 1887 -1891 أبان حكم الملك "سكسون كنغ ألبرت" Saxon King Albert وكانت مكتبة حديثة للغاية بالنسبة للوقت الذي بنيت فيه، ووصلت تكلفة بنائها وتجهيزها في تلك الفترة إلى 2.3 مليون مارك ألماني. واليوم وصل عدد فروع مكتبة "ألبرتينا" الى سبعة عشر فرعاً داخل المدينة وحدها.
تسوقوا في "لايبزيغ"!
الحي القديم في المدينة حيث يطيب التبضع
عادة ما تبدأ رحلة التسوق في "لايبزيغ" من أروقة المدينة القديمة حيث تجدون الهدايا التذكارية التي تزين واجهات الحي القديم. وتزخر المحلات التجارية بالماركات المحلية والعالمية وهي ذي جودة عالية وفاخرة. وهنا يبرز مجمع "مادلير باساج" Maedler Passage الذي يعرض كل ما يخطر على بالكم. وتبقى محطة "هوتبانهوف برومينادن" Hauptbahnhof-Promenaden من بين أهم مراكز التسوق في المدينة. وقد عملت بعض المحال التجارية المعروفة على إفتتاح فروع لها في المراكز التجارية التي شيدت حديثاً. ولكن تبقى المحلات التجارية وسط المدينة المخصصة للمشاة الوجهة المفضلة لرحلة تسوق لكثير من سكان المدينة كما هي الحال لأغلبية السياح.
الأسواق التجارية في المدينة متنوعة ومتعددة وتشمل سوق المنتجات الزراعية المحلية أو "لايبزيغ فريش فودز ماركتس" Leipzig Fresh Foods markets وفيه يمكنكم تذوق المنتجات الزراعية الطازجة ولقاء المزارعين الذين يحملون خيرات أرضهم لبيعها للمستهلكين. لا تكتمل رحلة تسوقكم إلا من خلال زيارتكم للمعرض الذي يقام على مقربة من "لايبزيغ سنترال ستيديوم" Leipzig Central Stadium كل يوم سبت حيث يمكنكم العثور على أي شيء تشتهونه. أما إذا كنتم من هواة جمع التحف القديمة المستعملة فندعوكم للقيام بزيارة"أغرا إيكزيبيشن سنتر" Agra Exhibition Centre الذي يفيض بالسلع المتوفرة بأسعار معقولة.
دار البلدية الجديد يتزين بالأبراج والقرميد الملون
نشاطات رياضية، معارض وحفلات!
وللمدينة تاريخ رياضي عريق، ففيها تأسس إتحاد كرة القدم الألماني عام 1900. وبعد الحرب العالمية الثانية شهدت إنشاء استاد كرة القدم الذي يتسع ل100 ألف شخص، ولذلك أطلق عليه اسم استاد المئة الف. وفي عام 2000 وضع حجر الأساس لـ ستاد "لايبزيغ" الجديد والذي يتسع لأكثر من 450 ألف متفرج. في عام 1756 فوٌض تجار المدينة المهندس المعماري الشهير "يوهان كاسبار ريشتر" بإجراء بعض التعديلات على تصميم قصر "ذي غوليس بلاس" The Gohlis Palaceوأجنحته لجعله تحفة فنية تسر قلوب ناظريها. وفي عام 1998 خضع القصر مجدداً لعملية ترميم كاملة ليصبح بعد ذلك المكان المفضل لإقامة الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية والمعارض الفنية وحفلات الأعراس.
وتعتبر "لايبزيغ" أقدم مدينة معارض في العالم ومن أشهر معارضها معرض الكتاب الذي ينظم مع بداية فصل الربيع، وهو ملتقى الكتاب والمثقفين من حول العالم، ويضم آلاف المشاركين الذين يلتقون سنوياً للإحتفال بالحدث الكبير لمهرجان القراءة في أوروبا تحت عنوان "لايبزيغ تقرأ".
وتتنوع المعارض والمتاحف الفنية والثقافية في "لايبزيغ" وتضم "متحف تاريخ المدينة" Museum of City History و"متحف الرياضة" Sports Museum. ومنذ عام 1991 نظم القيمون على متحف الرياضة أكثر من 20 معرضاً للسفر، ومعارض أخرى خاصة لمدينة "لايبزيغ"، إضافة الى مدن أخرى من ألمانيا. ومن الممكن لبعض هذه المعارض أن تسـتأجر من المعرض لكي تعرض في بلدان أخرى كمعرض الميداليات والشهادات للألعاب الأولمبية، ومعرض التصوير الفوتوغرافي الرياضي الذي جال على أكثر من 50 معرضاً داخل ألمانيا، وسويسرا، والنمسا وصولاً الى الولايات المتحدة الأميركية.
أما متحف الفنون الجميلة Museum of Fine Arts الذي تأسس عام 1837 فيضم مجموعة كبيرة من اللوحات فاق عددها 2700 لوحة من أواخر العصور الوسطى حتى يومنا الحالي، وقعت بريشة أسياد الرسم العالميين.
إضافة الى 750 منحوتة رائعة الجمال، و 55000 من الرسومات المتنوعة، كما يعطي أهمية كبيرة للفنون المعاصرة. ويأتي "متحف باخ "Bach Museum المقابل لكنيسة "سانت توماس" ليعرض سيرة حياة وإنجازات مؤلف الموسيقى الألماني "باخ" Bach، ويعمل تحت إشراف القيمين على الكنيسة. ويحظى المتحف بشعبية كبيرة. فأكثرية زوار "لايبزيغ" يتوقفون هنا، وبالأخص متتبعي الموسيقى ومحبي ذلك الفنان الذي يعتبر أحد أكبر عباقرة الموسيقى الكلاسيكية في التاريخ الغربي.
باريس الصغيرة!
ما أن يسدل الليل وشاحه الأسود فوق المدينة حتى يتوافد محبي السهر والسمر إلى ساحتها الرئيسية " لايبزيغ ماركت سكوير" Leipzig's Market Square التي تكثر فيها الحانات والمطاعم والملاهي الليلية. والساحة ليست المكان الوحيد الذي يستيقظ الليل فيه، فبإمكانكم زيارة جنوب المدينة وبالتحديد شارع "كارل ليبنخت شتراسيه" Karl-Liebknecht-Strasse فهناك ستجدون باقة من المطاعم يفوق عددها الثلاثين تتوزع على جانبي الشارع وتتنوع حسب ذوق ومطلب كل شخص.
أما إذا كنتم من محبي ريادة المسارح فلا تترددوا من زيارة مسرح" كريستال بالاست فارييتي" Varieté Krystallpalast للتعرف عن كثب على الإرث الثقافي والفني للمدينة التي أطلق عليها إسم" باريس الصغيرة" لكثرة تنوع النشاطات الثقافية فيها. وللغوص في عالم الفن والموسيقى لا بد من زيارة قاعة "جواندهوس" Gewandhaus للإحتفالات التي حُدثت أكثر من مرة نتيجة الدمار الذي لحق فيها من جراء الحروب. إنها موطن أوركسترا "لايبزيغ" حيث تصدح أعزب الألحان والإيقاعات الموسيقية الشجية.
ومن بين النشاطات التي تؤمنها المدينة لزوارها هي إسبوع سباقات الزوارق الشراعية ويشترك فيها رياضيون من جميع انحاء العالم. ويمكن للسياح أيضاً المشاركة في تلك الرياضات وركوب القوارب الشراعية. وتتمتع المدينة في حصة لا يستهان بها من الغابات بحيث تستطيعون القيام بجولة على الأقدام عبر المسارات المخصصة للمشاة تأخذكم من خلالها إلى العديد من الأماكن التاريخية لإستكشاف الأوجه العديدة لهذه المدينة التي إحتفلت عام 2015 بمرور 1000 عام على أول ذكر لها في الوثائق التاريخية.
Comments