bah مقرّرات قمة البريكس في جوهانسبورغ: خطوة هامّة على طريق النظام العالمي الجديد - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

مقرّرات قمة البريكس في جوهانسبورغ: خطوة هامّة على طريق النظام العالمي الجديد

07/27/2018 - 13:34 PM

Prestige Jewelry

 

 

بقلم: محمد زريق

إنَّ الكثير من الأفكار السياسية التي ظنّنا أنها صحيحة وثابتة، لم تكن سوى مواقف عابرة في لحظات، مؤاتية، فالولايات المتحدة ما كانت لتكون على ما هي عليه لولا انهزام الاتحاد السوفياتي واقتناصها لفرصة التوسع عن طريق الآلة العسكرية والمؤسسات المالية الضخمة، فقد لعبت الولايات المتحدة دور الأخ الأكبر The Big Brother أو الزعيم الكوني The Big Boss في الفترة الممتدة ما بين عامي 1992 – 2001، إلا أنَّ الولايات المتحدة بدأت تشعر بالتراجع أمام تنين صيني صاعد بقوة خيالية ودب روسي له ثأر قديم مع النسر الأميركي.

تعلمنا أنَّ العالم مُقَسَم إلى عالم متطور وعالم في طور التطور، وأنَّ الأفكار والمعلومات والخدمات هي حكر على مجموعة من الدول. أما اليوم فقد تبدلت هذه النظرة وأصبحت من الماضي، لأنَّ العالم انفتح وأصبح من الصعب احتكار عناصر القوة في عصر الحدود المفتوحة، وتماهياً مع الطريقة السياسية الغربية في صنع التكتلات السياسية والعكسرية والاقتصادية، فقد اجتمعت أهم دول العالم الثالث وأكثرها فعاليّة في العام 2009 لإنشاء تكتل جديد أطلق عليه اسم (بريكس BRICS) والذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، هذا الحلف الذي أصبح حقيقة وواقع اليوم له وزن ثقيل وتأثير قوي على صعيد العلاقات الدولية، أما قراراته فهي حاسمة ومهمة لأنها صادرة عن دول فعَّالة ومهمة في يومنا هذا.

ففي قمة مجموعة بريكس التي عقدت البارحة (الخميس) في جوهانسبورغ اتفق القادة على بعض الأمور المفصلية والطارئة، ففي بيان مشترك تمَّ الاعلان عن دعم المفاوضات في سوريا والتمسّك بالتوسية ورفض العنف، ودعت دول البريكس إلى وضع القدس على طريق الحل من جديد وذلك من خلال المفاوضات والعودة إلى قرارت مجلس الأمن الدولي ومبادئ مدريد والمبادرة العربية للسلام، وكذلك دعم دور الكويت الذي تلعبه في تسوية الأزمة الخليجية (بين قطر ودول الجوار في الخليج)، ودعت دول البريكس إلى وقف عمليات الاقتتال في اليمن لأنها لن تؤدي إلا إلى الدمار والخراب، وقد كان موقف حازم من دول البريكس إزاء الإرهاب وضرورة محاربته.

تفرض دول البريكس نظام جديد للعلاقات الدولية وتحاول تغيير مسار السياسة في العالم، وبمعنى آخر إنَّ دول البريكس تظهر للعالم أنَّ القوة والأمن والسياسة والاقتصاد وكافة عوامل القوة لم تَعُد محتكرة بيد قطب دولي، والعصر اليوم هو عصر حوار وتوافق وعلى كافة الدول تقبّل بعضها البعض، مهما كانت درجة قوتها. ومن المُحتّم أنّ مجموعة دول بريكس تلعب اليوم دور مفصلي وهام وأنَّ دول العالم الأول تنظر إليها وإلى القرارات التي تتخذها باهتمام كبير.

كانت الفكرة الأساس وراء البريكس هي صنع رابطة اقتصادية قادرة على الوقوف أمام G6 (الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا)، وذلك لصنع توازن اقتصادي في العالم، وخصوصاً أن حلف البريكس يضم أهم اقتصادات العالم. وسرعاً ما تطور هذا الحلف الاقتصادي ليشمل ميادين السياسة والتعاون بين هذه الدول لجعل العالم أكثر أمناً ومتعدد الأطراف.

إنَّ مجموعة البريكس تعمل على صياغة نظام عالمي جديد، من خلال إنشاء بنك التنمية، والعمل على اتحاد جديد بين دول الجنوب أو دول العالم الثالث الصاعدة، والتي تعتبر اليوم أنها على طريق التربع على عرش السلطة الدولية إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها. والأهم أنَّ دول البريكس تجمع على محاربة الارهاب والتعاطي السلمي مع كافة دول العالم، وجعل الخيار العسكري هو الأخير في حل المشاكل.

من الطبيعي وجود حلف دول بريكس، بعد أن استهلكت الولايات المتحدة كافة قواها وأصبحت اليوم في ركود اقتصادي، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب رفض إعادة تجربة الحروب لأنها مكلفة ولن تجلب للولايات المتحدة سوى الدمار والخراب والعجز الاقتصادي، في المقابل يسعى الرئيس الأميركي إلى جلب الأموال إلى الخزينة الأميركية واتباع سياسة الود مع روسيا، وذلك ربما اعترافاً منه بأنَّ هذه الدولة قد استعادت عافيتها وأصبح من الجنون التفكير في الخصام معها، خصوصاً بعد حادثة القرم. ومن الأمور التي لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها، هي العداء مع الصين، لأنها أصبحت دولة محورية اليوم ونقطة سياسية واقتصادية من الصعب جداً إعلان العداء لها.

هكذا انتقل العالم من الهيمنة والآحادية القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب، ومما لا شك فيه أنَّ لحلف البريكس دور هام في هذا التحول الكبير الذي شهدته الساحة السياسية الدولية، ويمكن الجزم أنَّ لحلف البريكس مستقبل واعد سيغير خارطة العلاقات الدولية ويعيد رسم قواعد جديدة تحكم هذه العلاقات.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment