bah القلب البشري المقدّس - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

القلب البشري المقدّس

07/30/2018 - 05:20 AM

Bt adv

 

 

بقلم: محمد زريق

عملتني الأديان السماوية أنَّ الرسالة الأسمى عنوانها المحبة، وعندما تقربتُ أكثر من الله وعرفته حق المعرفة اكتشفتُ أنَّ الله هو المحبة الكلية التي لا تُحد بزمان أو مكان، فأين نحن اليوم من المحبة الكلية الخالصة والصافية؟

يجمع المفكرون ورجال العلم على الفكرة التي أطلقها الفيلسوف أرسطوطاليس وهي أنَّ الإنسان هو "حيوان ناطق"، وأنا أيضاً أضم صوتي إلى هذا الحشد الذي وصّف الإنسان بهذا التوصيف. إنَّ الإنسان كما الحيوان هو كائن غرائزي، فغريزة البقاء جعلته يبتكر ويطور أحدث الأسلحة الفتّاكة بالإضافة إلى تنظيم الجيوش، ومن أجل البقاء أيضاً للأقوى تقتل الناس بعضها بعضاً ويسرق الأخ أخاه، ومؤخراً لاح في الأفق بصيص أمل متمثل بالتطور التكنولوجي الحاصل وبالثورة الرقمية المعاصرة، استبشرنا خيراً بأن تؤثر هذه الموجة الجديدة بشكل إيجابي على مجتمعاتنا، ولكن للأسف لم يُستبدل القلب الغرائزي بالقلب البشري.

كم من الناس راحت ضحية حروب عشوائية هدفها إلغاء الآخر، وكم من الأمهات تبكي كل يوم ألف مرة على من فقدت، وكم من أناس قابعة في سجون العذاب والظلم وهي بانتظار يوم الحرية الأكبر والانعتاق من قيود هذه الدنيا، وكم من نساء تمشي مجبرة على طريق رسمه لها القدر. إنَّ العالم لم يعرف طعم المحبة منذ ابتداء تاريخ البشرية، ومخطئ هو من أراد أن يُكَذِبَ هذا الكلام، فقابيل قتل أخاه هابيل، وأبناء الأرض اليوم يقتلون بعضهم البعض لأنَّ الانسانية مفقودة. الناس اليوم أصبحت تفضل القلب الغرائزي على القلب البشري، ومنهم من يمتلك قلباً بشرياً ولكن لا يكشفه أمام الناس كي لا يصبح الضحية ويكون على فعلته من النادمين.

إنَّ الحياة قائمة على المد والجزر، والليل والنهار، والحزن والفرح، فلولا الحزن لما عرفنا طعم الفرح ولولا الظلم لما عرفنا قيمة الحرية، ولولا القلب الغرائزي لما عرفنا ماهية المحبة؛ ولكن للأسف فالبعض لم ولن يعرف معنى المحبة لأنه لا يملك سوى قلب غرائزي وفي عقيدته أنَّ هذا هو الصواب، أما أصحاب القلب البشري فَهُم الضحية دائماً ولا مكان لهم في مجتمع اليوم.

رغم الأسى والظلم والمرارة، أخاطبكم اليوم وأخاطب البشرية من بعدكم وأقول لكم: "فليكن القلب البشري هو بوصلتكم ولتكن حياتكم مليئة بالمحبة الكلية، فما أسعد الإنسان المظلوم وما أتعس الإنسان الظالم". أن تكون عظيماً ليس أن تكون الأقوى ولا الأغنى ولا حتى الأذكى، فالعظمة هي من صفات الأولوهة ولا ترتبط بالبشر لا من قريب ولا من بعيد، ولكن أجل بإمكاننا التماهي مع الإله العظيم والتشبه به، والوسيلة الوحيدة هي بإعادة القلب البشري إلى موضعه واستبداله بالقلب الغرائزي، عندها فقط سوف نصبح أقرب من نور وقلب الله، وسنمشي معاً على درب المحبة والأمل والرجاء.

في خاطري الكثير من الظلم والجشع والتعاسة، ولكن في قلبي أناس لا تعرف معنى القلب الغرائزي وليس في جعبتها سوى المحبة والكثير من المحبة، بمثل هؤلاء نعرف الله ونتقرب منه لأنهم الصورة الشفّافة والبريئة عن إنسانية مفقودة منذ الأزل، نتمنى كل يوم أن تحل في أرجاء عالمنا، ونحن نعلم مسبقاً في قرارة أنفسنا أنَّ هذا هو المحال الذي لا يتحقق.

لأصحاب القلوب البشرية البريئة والطيبة والطاهرة، لهذه القلوب التي تتعذب كل يوم وتتألم بصمت لأنها لا تريد أن تجرح وتتألم أكثر، للقلوب التي نتعلم منها معنى الانسانية والعيش بوجع، فوجعها هو معموديتها؛ لكم يا أصحاب القلوب البشرية أنحني إجلالاً لأنكم صورة مبسطة عن محبة الله الكلية.

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment