خاص بيروت تايمز- بقلم ميشلين أبي سلوم*
لا تتوقف أدوات النظام السوري وبعض حلفائه اللبنانيين عن الدعوات المتواصلة لإعادة فتح آفاق العلاقات السياسية مع النظام على أعلى المستويات وخصوصاً على مستوى كبار المسؤولين تحت حجج وذرائع متعددة، في محاولة مكشوفة لتجاوز مؤثرات تردي هذه العلاقات طوال سنوات الحرب الدائرة بسوريا وما قبلها، مع علمهم المسبق بأن مثل هذه الدعوات لن تلقى قبولاً من الخصوم السياسيين للنظام بالداخل، وستواجه برفض كامل كما حصل في كل مرّة تطرح مثل هذه الدعوات لأسباب واعتبارات قائمة ولا يُمكن تجاوزها وهي ما تزال تحول دون التجاوب مع هذه الدعوات أو الموافقة عليها ضمناً.
إذن، فلماذا تكرار مثل هذه الدعوات المثيرة للانقسام بالداخل اللبناني وما هي أهدافها الحقيقية؟
يلاحظ بوضوح ان طرح الدعوات لاستئناف العلاقات بين المسؤولين اللبنانيين والنظام السوري يتزامن هذه المرّة مع المساعي والمشاورات المبذولة لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، والسبب المعلن لهذه الدعوات هو لتسهيل إعادة فتح المعابر السورية امام البضائع المرسلة من لبنان عن طريق الترانزيت إلى دول الخليج العربي لافادة العاملين الكثر في هذا القطاع، وفي النهاية فإن تحقيق ذلك سيصب في مصلحة لبنان وان الامعان في تعطيله يضر بالمصلحة اللبنانية. هذا في خلاصة الترويج لمعاودة استئناف العلاقات مع النظام السوري.
ولكن في السابق تسترت هذه الدعوات وراء التحركات المبذولة لإعادة النازحين السوريين من لبنان إلى بلادهم، باعتبار انه لا يُمكن توفير ظروف العودة من دون التنسيق الكامل بين حكومتي البلدين، ويومئذٍ تسببت مثل هذه الدعوات بارتجاجات سياسية قوية كادت ان تطيح بحكومة الوفاق الوطني المستقيلة وتسقط كل التفاهمات والتسويات التي انبثقت عن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
هذه المرة، يلاحظ بوضوح ارتفاع وتيرة الدعوات لإعادة انفتاح السلطة اللبنانية مع النظام أكثر من السابق بالتزامن مع ظروف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة وكل الحجج والذرائع السابقة والحالية تدعم طرح هذه الدعوات دفعة واحدة.
هناك من يستغل هذه الدعوات لممارسة أقسى الضغوطات على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، على أمل ان تؤدي إلى تنازلات من قبله لصالحها، وهناك من يسوق لمعاودة العلاقات مع سوريا على أمل ان تسجل له نقاط إيجابية في المستقبل تساعده للفوز بمنصب الرئاسة الأولى. ولكن في الخلاصة النهائية، كل هذه المحاولات والضغوط على الرئيس المكلف لإعادة العلاقات اللبنانية السورية على أعلى المستويات، هدفها تسجيل انصياع كل الأطراف اللبنانيين وفي مقدمتهم خصوم النظام لتناسي ما اقترفه الرئيس بشار الأسد من جرائم إبادة وحشية ضد شعبه والانفتاح عليه وكأن شيئاً لم يكن، والاهم من كل ذلك إعادة هيمنة النظام على مفاصل الحياة السياسية اللبنانية كما كان الحال ابان العقود الثلاثة للوصاية والاحتلال السوري للبنان.
وقد جاءت مواقف الرئيس المكلف مؤخراً لتؤكد أن المعرقلين لا يريدون تشكيل حكومة، بدليل أنهم وضعوا في سلم أولويات أجندتهم، الضغط لإعادة العلاقات مع النظام السوري، وهم الذين يدركون موقف الرئيس الحريري من هذا الموضوع، والذي كان واضحاً في التعبير عنه علنيا، ملمحاً إلى إمكانية عدم تشكيل الحكومة إذا أصر الآخرون على إعادة العلاقات مع النظام السوري، وقد أكدت أوساط نيابية أن «الحريري لن يرضخ للضغوطات التي تُمارس عليه في هذا السياق، وبالتالي لن يتساهل في هذا الأمر، حتى لو تأخر تشكيل الحكومة وقتاً طويلاً».
وأشارت الأوساط عينها إلى أن «اللعبة أصبحت مكشوفة، وهي أن قوى ٨ آذار لن تسهل التأليف، إلا في حال وافق الحريري على مطلبها بإعادة التطبيع مع النظام السوري، وهو ما لا يضعه الرئيس المكلف في حسبانه»، متوقعة أن يكون هذا الموضوع، «عنواناً للكباش الذي سيدور مع الرئيس المكلف وحلفائه، حيث أن حزب الله وحلفاءه على تنسيق وتشاور مع التيار الوطني الحر، في إطار جبهة يعمل عليها، لتطويق الرئيس المكلف ومحاصرته بالكثير من الشروط، وفي مقدمها التطبيع مع سوريا الذي لا يلقى معارضة على ما يبدو من الرئيس عون».
ولا تستبعد أن يكون هناك «من يضغط للإطاحة بالتسوية القائمة وقلب الطاولة، باعتبار أن من انقلب على اتفاق معراب وأعلن التبرؤ منه، فلن يتردد في التخلص من هذه التسوية إذا كانت تضمن له مكاسب سياسية لتحقيق مشروعه، بعد استعادة النظام السوري انفاسه وفك الحصار الدولي عنه، ما أعاد الروح إلى حلفاء دمشق في لبنان الذين يحاولون أخذ الأمور إلى مكان آخر يتعارض مع مصلحة اللبنانيين».
ولكن في المقابل، يتناسى أدوات النظام السوري وحلفاؤه الداعين إلى معاودة استئناف العلاقات اللبنانية مع النظام أن الاعتبارات والأسباب التي أدت إلى انقطاع العلاقات على النحو القائم حالياً ما زالت موجودة وأهمها:
- حالة الاستعداء التي فرضها النظام السوري ضد خصومه السياسيين بالداخل اللبناني، وفي مقدمهم الرئيس الحريري و«القوات اللبنانية» والنائب السابق وليد جنبلاط والعديد من السياسيين المستقلين، من خلال محاولاته المتواصلة للتدخل بالشؤون الداخلية وسعيه الدؤوب لفرض الصيغة السلطوية الموالية والتابعة له كما فعل إبان عام 2010 وهي حالة ما تزال قائمة ولم يتم تجاوزها بعد.
- تورط النظام السوري بسلسلة من جرائم الاغتيال السياسي ومحاولات إشعال الفتنة وإثارة البلبلة بالداخل اللبناني من خلال إرسال عملائه لتنفيذ سلسلة تفجيرات واغتيالات بالداخل اللبناني، ولا سيما ضد مناوئيه السياسيين، وقد انكشف بعض هذه المحاولات وألقي القبض على منفذيها ومن بينهم الوزير السابق ميشال سماحة الذي يمضي عقوبة في السجن جرّاء ذلك لادانته بنقل قنابل ومتفجرات من سوريا إلى لبنان برفقة النائب الحالي جميل السيّد لتنفيذ مخططات النظام الاجرامية ضد اللبنانيين، إضافة إلى ما تكشف عن ضلوع أجهزة النظام بتفجيرات مسجد السلام بطرابلس وغيرها من جرائم التفجير والاغتيال السياسي.
- وفي هذا السياق، كان قد رأى حزب الوطنيين الأحرار، في بيان اصدره اثر الاجتماع الاسبوعي لمجلسه السياسي برئاسة دوري شمعون وحضور الأعضاء، "في الدعوات الى تطبيع العلاقات مع النظام السوري خطة لتعقيد تشكيل الحكومة العتيدة ورغبة في إحراج الرئيس المكلف لإخراجه. وسأل: "إذا لم يكن ذلك هو المقصود لماذا لا تترك هذه المسألة لما بعد التشكيل؟"، معتبرا أنه "معلوم ان التسوية التي حصلت سابقا بين مختلف الاطراف أكدت مبدأ النأي بالنفس الذي لم يبق منه الا التسمية، هذا إذا كان تم احترامه في أي وقت، وتلي هذه العقبة المستجدة عقبة الثلث المعطل الذي يضرب مفهوم حكومة الوفاق الوطني، وهاتان العقبتان تتصدران لائحة العقبات المتعلقة بحصة كل فريق مما يجعل التشكيل بعيد المنال ويظل رهنا بالرجوع الى احترام المصلحة الوطنية وتغليبها على ما عداها من مصالح"، لافتا إلى "مقاربة هذا الموضوع انطلاقا من الدستور الذي لا يحدد مهلة للرئيس المكلف لإنجاز الاستحقاق ولا يتيح اي وسيلة سوى التفاهم انطلاقا من استشارات التكليف"، مجددا "المطالبة بتشكيل الحكومة العتيدة بعد تذليل كل العقبات للانطلاق نحو العمل الجاد لمواجهة التحديات والأزمات".
ولا شك ان الدعوات لإعادة تعويم العلاقات السياسية بين النظام السوري والسلطة اللبنانية يجب قبل كل شيء ان تأخذ هذه الوقائع بعين الاعتبار، وإلا فإن الامعان بالجنوح لتنفيذها حتى النهاية هذه المرة، يعني محاولات لتعطيل عملية تشكيل الحكومة وان كان هذا الهدف صعب المنال لأن كلمة الفصل في ذلك لم تعد للنظام السوري ولا لحلفائه، بل تتعداهم إلى من يملك زمام الأمور بسوريا والمنطقة، ويعني روسيا باختصار.
***
في كلمة أخيرة،
نتوقف عند تصريح للدكتور سمير جعجع رئيس حزب "القوات اللبنانية" الذي خلاصته أن "عودة نفوذ الأسد إلى لبنان خط أحمر"، ولفت إلى أن اللبنانيين سيواجهون على جميع الجبهات بما فيها جبهة الفساد في البلاد. إن اللبنانيين لن يسمحوا بعودة النفوذ السوري إلى لبنان، وإن دعوات الحديث إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من أجل حل مشكلة النازحين إلى لبنان غير مجدية، مذكرا اللبنانيين بـ"قصف الأشرفية وزحلة وطرابلس وقنات ومن اغتال الرئيس بشير الجميل وشهداء 14 آذار".
*صحافية لبنانية
Comments