bah هل صارت الدولةُ كالشاحنة "سارحة والرَبّ راعيها"؟ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

هل صارت الدولةُ كالشاحنة "سارحة والرَبّ راعيها"؟

09/03/2018 - 18:15 PM

absolute collision

 

 

الشاحنات في لبنان

 

بقلم هنري زغيب

          أُحاول أَلَّا أَكونَ سَلْبيًّا بِـتعليقاتي ومُشاهداتي الأُسبوعية كي لا أَملَأَ أَحاسيس الناس بالرفض والغضب في أُويقات استراحتهم من هُموم الأَشغال والأَعمال والوطن. ولكنْ... كيف التغاضي، وعيونُ الـمواطن تَــتَـــرمَـــدُّ يوميًّا بـما يُعميها من تجاوزات ومُخالفات، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب؟

مَن يُنقذُ من الخوف مواطنًا ما إِنْ يغادر بيته حتى يؤُوبَ إِليه شاكرًا ربَّه عند عتبة البيت أَنه عاد سالِمًا بعد عُبُوره غابات الطرقات الوعرة الخطرة الحذرة الـمُتفلِّتة من أَيِّ ضوابط، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب؟

          هنا طرقاتٌ بلا خطوطٍ بيضاء مِن تحت، ولا أَعمدة إِنارة مِن فوق تُشير، خصوصًا في الليل، إِلى حدود الطريق، ولا مَن يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

          هنا صهريجٌ متفلِّتٌ متهوِّرٌ مهوِّلٌ بسرعة سيارة السباق، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

          هنا شاحنةٌ مُـحمَّلةٌ صخورًا أَو رمالًا أَو حصًى بدون غطاءٍ واقٍ وبدون أَحزمة مشدودة، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

          هنا سيارات مخلَّعة مشلَّعة مفلَّعة لا صيانة لها ولا أَمان فيها، تشكِّلُ خطرًا أَكيدًا داهمًا، ومع ذلك "كَافَـأَهَا" صدورُ قرارٍ وزاريّ بتخفيض رسوم التسجيل على السيارات المستعملة أَيًّا تَكُن حالتُها، إِذ لا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

          هنا دراجاتٌ ناريةٌ تَــنُـطُّ كالدبابير فجأَةً من كل مفرقٍ وناصيةٍ وشارع، بدون خُوَذٍ على رؤُوس مَن يقودونها زيكزاكيًّا بين صفوف السيارات ولا يقفون على ضوءٍ أَحمر مع تدفُّق حركة السير، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

هنا دراجاتٌ ناريةٌ أُخرى يسير بها سائقوها، متباهين، على دولابها الخلفي بين السيارات، ويتلذَّذون بتضخيم عرير عوادمها مُقْلقين في الليل نِــيامَ الأَحياء، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب

          هنا ضحايا القيادة، وخصوصًا في الليل، بسبب السُكْر الـمُـتَــعْــتَــع عند الخروج من الحانات أَو المطاعم، وما ينجُم عن السُكْر من خطر على السائقين ومَن معهم في السيارات، وعلى الـمُشاة ومَن في السيارات الأُخرى، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

هنا تقاريرُ يوميةٌ من غرفة التحكُّم الـمروري عن عدد القتلى والجرحى بسبب حوادث السرعة والتدَهْوُرات والانزلاقات والاصطدامات، ولا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

          صحيح أَنَّ الـمُواطن مسؤُولٌ عن ارتداع ذاتي في احترامه قوانينَ السير كي لا يتعرَّض للخطر ولا يعرِّض غيرَه، إِنما الرعونةُ يضبطها القانون، والمخالفة تردعها الـمَحاضر القاسية، لكنَّ الكَرْم السائب ليس فيه مَن يُــراقِب ولا من يُـحاسِب.

          في جميع بلدان العالم ميلٌ، عند الشباب خصوصًا، إِلى الـمُخالفة والسُرعة والتَهَوُّر والرعونة، لكنَّ هذه جـميعَها يضبُطُها شرطيُّ سيرٍ واحدٌ يُـخيفُ السائقين فيرعَوُون ويرتَدِعُون.

          ليست العلَّةُ في موادِّ قانون السير عندنا، فهي تعادِلُ أَهمَّ قوانين السير وأَحدثَها في العالم. لكنَّ العلَّةَ هي التراخي في تطبيق القانون على المواطنين كي ينضبطُوا، وعلى رجال شرطة السير كي يضبُطُوا.

ولكنْ... طالـما الطرقاتُ عندنا منفلتةٌ من البُنْية التحتية، ومراقَبةُ السير منفلتةٌ من البُنْية الفوقية، فسيبقى أَرعنَ السائقُ الأَرعنُ طالـما لا من يُــراقِب ولا من يُـحاسِب، وسيبقى المواطن مُعَــرَّضًا للخطر منذ يغادر بيته حتى يؤُوبَ إِليه، شاكرًا ربَّه أَنه عادَ سالِمًا بعدَ عُبُوره غاباتِ طرقاتٍ هولاكيةٍ نيرونيةٍ لا مُراقَبَةَ فيها ولا مُـحاسبة، لا ضوابطَ فيها ولا انضباطَ أَمان.

* هنري زغيب: شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. تستطيع التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment