بسام ن ضو *
إنّ العلوم السياسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بركائــز ومبادئ الدولة المستقلّة، هذا العلم يَدرسْ بكل دقّة تفاصيل طبيعة السلطة القائمة في الدولة ( السلطة الإجرائية – السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية – السلطة القضائية – السلطة الأمنية على مختلف إختصاصاتها )، كما أنّ هذا العلم يدرسْ نظام حكم الدولة ( النظام الديمقراطي – النظام الإقطاعي – النظام التوتاليتاري النظام الدكتاتوري...)، ويتشعب علم السياسة في دراسة أداء المؤسسات ومُجمل تفاعلات الحكام ( رئيس جمهورية – رئيس حكومة – رئيس مجلس نوّاب – نوّاب – وزراء – فعاليات – الرأي العام...)،كما يَعْمَـل على تحليل الآليات التي توّزع المهام داخل الدولة وآلية عملها.
الدولة السيّدة المستقلّة شرطها إيجاد ضمانة سياسية متنوّرة مؤلفة من جهات سياسية شرعية تعمل وفقًا لنظام سياسي معترف به بموجب الدستور تراقب عمل السلطات الرسمية الشرعية وأوّلْ أوْلوياتها إحترام حقوق الإنسان ومن أهمها سلطة تشريعية شرعية تأتي بموجب قانون للإنتخابات النيابية يُجسّد حقيقةً تمثيلاً شعبيًا غير مشكوك بشرعيته تنشأ عنه رقابة سياسية تشمل كل المكوّنات السياسية الرسمية والخاصة، إضافةً إلى رقابة صارمة ديمقراطية على وسائل الإعلام وحصرها بالدولة الرسمية شرط أن يتقيّدْ هذا الإعلام بمبادئ شرعة حقوق الإنسان، كما أنّ أهمية هذا النوع من الممارسات الفكرية الحرّة – الديمقراطية، ممارسة سياسية – أمنية – قضائية تكون وحدها القادرة على توفير حماية فعّالة لحقوق المواطنين وحرياتهم.
الدولة السيّدة المستقلّة مهامها متشعبّة ومن أوْلى مهامها الرئيسية تحقيق الأمـن في صلب مهام ممارساتها السياسية حيث يذكر علم السياسة " التنظيم في المجتمع يقوم على منح الدولة السلطة المُطلقة لها دون أي شريك لتحقيق الأمـن وفق شروط وضوابط معيّنة، وهو ما ينعكسْ في إطلاق مصطلح سلطة إنفاذ القانـون على الأجهـزة الأمنية "، إنّ القانون هو العقـد بين المواطن والدولة حيث أنّ الدولة والقائمين على أجهزتها بصفتهم سلطات رسمية وفقًا لضوابط وشروط يُحدِّدُها القانـون مسؤولون عن أمـن المواطنين وحقوقهم. إنّ مبدأ تحقيق الأمـن وحقوق الإنسان هما مسؤوليتان متكاملتان من مسؤولية الدولة السيّدة ويُعدّان أمـران غير متعارضان إذا ما نُظِـرَ إليهما بالشكل السليم.
إنّ العلاقة بين تحقيق الأمن وإحترام السيّادة الوطنية وحقوق الإنسان وفق العلم السياسي هي من أهم النقاط المفترض المحافظة عليها وهذا الأمر ورد في ميثاق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وأغلبية المنظمات الدولية والإقليمية، وفي أغلب الدراسات هناك تشديد على وعي بضرورة إقامة توازن واقعي بين متطلبات الأمن وحماية حقوق المواطنين عند صياغة أي إتفاقية أو وثيقة، وإستدراكًا لما نورده على سبيل المثال لا الحصر نُلاحظ أنّ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته الرابعة يُجيز للدول تقييد الحقوق المنصوص عليها فقط في "حالات الطوارىء الإستثنائية التي تُهدِّدْ حياة الأمة" ويحكم عملية التقييد عدة شروط تتمثل في مبادىء التناسب والضرورة وعدم التمييز.
الدولة السيّدة المستقلّة تتمتّع وفق العلم السياسي بمفهوم الحماية الدبلوماسية في إطار القانون الدولي العام بإعتبار هذا الأمر وسيلة قانونية للدولة لحماية حقوق ومصالح مواطنيها ومؤسساتها الشرعية من أيْ تعّـدِ على سيادتها أو أي تدخل في شؤونها الداخلية. إنّ الحماية الدبلوماسية تُعّدْ من أبرز الآليات التي تستخدمها الدول في العلاقات الدولية لضمان إحترام سيادتها وحقوقها ومؤسساتها الشرعية سواء أكان من خلال المساعي السلميّة أو اللجــؤ إلى القضاء الدولي. في مفهوم العلم السياسي تُعّدْ الحماية الدبلوماسية أحد أُسُسْ العلاقات الدولية والقانون الدولي حيث أنها تعزِّزْ من إستقرار وتطوير العلاقات بين الدول فهي تنشأ من مبدأ إحترام السيادة الوطنية والعلاقات الدبلوماسية المشتركة كما أنها تحمل معنى مهم يجمع بين المسؤولية الدولية وحقوق المواطنين، كما أنّ هذه الحماية تعزِّزْ الثقة بين الدول وتُسهم في تعزيز التعاون الدولي والإقليمي من خلال تعزيز الأمان والإستقرار في المجتمعين العربي والدولي.
تزامنًا مع زيارة المبعوثان الدبلوماسيّان ( Tom Barrack – Morgan Ortagus ) على الدولة اللبنانية بشخص فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء وإستنادًا للمواد الدستورية: 49 – 64 – 65 التي تحصر بهما دستوريًا ممارسة النظام وعملاً بما يسعى إليه المجتمعان العربي والدولي الهادف إلى وقف إستنزاف الدولة من قبل جهة إقليمية تتصرف خلافًا للقانون الدولي الذي يرعى العلاقات بين الدول، والتعاطي الجدّي مع المساعي القائمة التي تُساهم في صياغة منظومة سياسية لإعادة الجمهورية اللبنانية إلى كنف الإستقلالية الذاتية.
من المفترض بالسلطة المُشار إليها تركيز البحث على دراسة الشروط والمتطلبات التي يجب توافرها لكي يتمكن النظام الممثل بهذه السلطة من ممارسة حقوقه السيادية، كما تسليط الضوء على الوسائل السلمية التي من المفترض إستخدامها في حماية حدود الدولة للمحافظة على السلم المحلي – الإقليمي – الدولي، كما تحليل التحديات التي تواجه تطبيق مبادىء السيادة وإقتراح حلول وتوصيات لتعزيز فعالية حماية الدولة ونظامها وضمان حقوق اللبنانيين والدول المحيطة بالدولة اللبنانية.
إستتباعًا لكل المحاولات الدبلوماسية القائمة سواء أكانتْ عربية أو دولية وتزامنًا مع زيارة الدبلوماسيين الأميركيين وفق مبادىء العلوم العسكرية تتعدّد شروط الأمن في الدول وهي تشمل جوانب عدّة مثل : الامن القومي – أمن المجتمع – سيادة القانون – إحترام حقوق الإنسان، وفي حالة الإستقرار الأمني من المفترض أن تلعب الأجهزة الأمنية الشرعية الدور البارز والحيوي في المحافظة على الأمن من خلال مركزية السلطة والسلاح ومكافحة الثغرات القائمة ونظرًا لدقّة المرحلة وخطورتها وإستنادًا للدستور ولقانون الدفاع الوطني نقترح كمركز أبحاث PEAC على السلطة القائمة ما يلي :
- أن يتعهّد النظام السياسي اللبناني بحفظ الديمقراطية والأمن والإستقرار المحلي والإقليمي والدولي وبعدم السماح بحصول فتنة في أي ظرف وتحت أي شعار.
- التاكيد المُلزم من قبل النظام السياسي اللبناني أنّ الرهان على القوى المُسلّحة اللبنانية الشرعية في مهام المحافظة على الأمن والحدود المشتركة بين دولة إسرائيل والجمهورية العربية السورية هـو الخيار الوحيد والأسلم.
- إلتزام النظام السياسي اللبناني ممارسة السلطة وفقًا للآليات الدستورية والإرتقاء إلى مستوى المرحلة بوعي ومسؤولية.
الدولة السيّدة المستقلّة هي صاحبة السيادة والإمتياز السياسي – الأمني – الدبلوماسي، وهي التي تؤدي الدور المهم في توفير شروط تلبية الحاجات التي تستحدثها المرحلة الحالية، وهذا الأمر ممكن في حالة سلطة دولة ذات سيادة وصاحبة إستقرار سياسي ناتج عن تطبيق القوانين اللبنانية وميثاقي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة.
*كاتب وباحث سياسي – أمين سر المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية PEAC
Comments