bah عن الذي لم يُظلّله سوى الله والوطن - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

عن الذي لم يُظلّله سوى الله والوطن

09/08/2018 - 06:44 AM

Atlas New

 

 

بقلم: محمد زريق

دقّت ساعة الصفر وحلَّت لحظة التقدم واللاعودة عن القرارات والمخططات المرسومة والتي كل ما تحتاجه هو التنفيذ. إنها لحظة القرار المتّخذ والبدء بالتنفيذ، مجبولة ببعض المفاجآت والغير مألوف، فالورقة التي تسقط هي خائنة بعيون الرياح ووفيّة بعيون الشجرة. أما الوفاء للوطن فهو لا يُقاس بالرحيل أو بالبقاء، ومن قال أنَّ الوجود المادي هو كل شيء، فالإمتحان الصعب يكون بوفائك لوطنك رغم البعد والرحيل، وأن تحفظهُ في القلبِ أيقونةً جميلة وفي العقلِ شُعلةً ملتهبة لا تنطفئ بل يزداد لهيبها مع الأيام، لتحرق الهشيم في الوطن الأخضر وتنير الدرب وتصنع بدل الدرب دروب وممرات فكر وإيمان وثبات للوطن ولأجيال الوطن.

أكتب عن الوطن وأنا الذي ما كتبتُ يوماً إلا عنهُ وهمّهُ كان ولا يزال يعنيني ويمسّني بالصميم، أكتبهُ هذه المرّة ليس كغيرها من المرات، فيداي تُلامس قلب وطني أما رجلاي فهي بين أيدي الله معلقة بين الأرض والسماء، غابت عن كل الأوطان وكل الماديات، ولكنها لم تغب عن وطنها.

لقد كتبتُ الكثير والكثير من الكلمات الرنّانة التي تبعث بالمشاعر الجيّاشة، فقد امتلئت الدفاتر بالكلمات وصاحت قلوب القرّاء والمحبّبين والمتابعين "يكفينا مشاعر وكلمات"، ولكن من قال أنّي عدتُ لأعزف على قلوبكم الكلمات التي لا تثمر ولا تغني من جوع أو أن أمنحكم فسحة من الأمل في زمن اضمحلال الأمل. إنَّ الرسالة واحدة ومختصرة وفحواها أنَّ الوطنية ثابتة لا تُغيرها أقوى الرياح العاتية، لأنَّ الوطن لا يُستبدل.

أتذكّرُ جيداً المقالات الوطنية التي كان ينشرها فخامة الرئيس ميشال عون من منفاه في باريس، وها هو اليوم رئيساً للبلاد لم يُغيّر المنفى به شيئاً بل زاد من عزيمته وصلابة مواقفه وآراءه، فليس من المستغرب أنه كان يُغرد في أغلب الأحيان خارج السرب يوم كان رئيس كتلة نيابية، فمن لم يغيره المنفى لن تغيره الضغوطات حتى ولو اجتمعت وتكاثرت على (فرد)، تنحني رجالات وجماعات ولكن المهم أنَّ الفرد الصلب لا ينحني.

أكتبُ وأنا فوق السحاب والجبال والصحارى والبحار والغابات، لا يُظلّلني سوى الله والوطن، لأنَّ حب الأوطان من الإيمان ومن تمسّك بحبةٍ من ترابِ وطنه نجا وأصبحت الدنيا ملكه. أن تمتلك الثروات والكنوز المادية شيءٌ جميل، ولكنه سيصبح مملاً وعبئاً على صاحبه مع مرور الزمن؛ أنا من امتلك محبة الناس امتلكُ كنزاً لا يفنى ولا يزول مع الوقت بل يزدادُ عطاؤه أكثر يوماً بعد يوم، وهذا العطاء سيُقابل بمحبةٍ أكبر نمنحها للوطن؛ هكذا تُطبّق القاعدة التي تنص على أنَّ المحبة بالمحبة تُقَابَل.

* كاتب سياسي وناقد إجتماعي وناشط في المجتمع المدني اللبناني ومترجم، لديه العديد من الدراسات المنشورة، وهو مهتم في السياسات الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment