الخوري الدكتور نبيل مونّس *
أعرفُ يقينًا أنّ ثمّة فلسفاتٍ ونظريّاتٍ سياسيّةً وعلميّةً كثيرةً تدرسُ هذا الموضوع. نعم، نحن بحاجةٍ إلى البحثِ فيه على كلِّ الأصعدة: في علمِ النّفسِ والاجتماع، في دراسةِ الغرائزِ والشّهواتِ والخوفِ والإرهاب. فإذا زالت هذه القوى المظلمة، يُمكن أن نبني صيغةً تسمحُ باللقاءِ، والغفرانِ، وبناءِ هيكليّةٍ قويّةٍ للسّلام في القلوبِ والعقولِ والأرواحِ، قبل أن يُترجمَ السّلام على مستوى السياسةِ أوِ المعاهداتِ أوِ الحروب.
أينما التفتَ الإنسانُ في تاريخهِ، يرى صراعَ الخلايا من أجلِ البقاءِ، وصراعَ الحضاراتِ من أجلِ السّيطرةِ، وصراعَ العمالقةِ من أجلِ السّلطةِ والشّهوةِ. لكنّني، أنا ابنُ المزارعين، أفضّل أن أعودَ إلى حقلِ الكلمةِ المقدّسةِ، لعلّي أزرعُ بذارَها في محيطي، في قرّائي، في الهواءِ الذي نفخهُ الله في الترابِ حتى صار إنسانًا حيًّا، حاملًا في ذاتهِ السّلامَ والفرحَ واللّقاء.
لماذا فَقَدَ السّلامُ وجهَه الإلهيّ؟
لأنّ السُّمّ دخلَ العينَ والقلبَ، وارتفع إلى الفكرِ والإحساس، فملأ الأرضَ أوبئةً وزلازلَ وموتًا وظلمًا واستبدادًا. مَن سرقَ منّا النّعمةَ والبركةَ والسّلامَ؟ النّعمةُ صارتْ عتمةً، البركةُ صارتْ لعنةً، والسّلامُ صار حلمًا مفقودًا، تبحثُ عنه الطبيعةُ بوعْيها ولا وعيَها، بعنفِ غرائزِها وشوقِها العميق.
أين هو السّلامُ المخطوفُ؟ المُداسُ بالخطيئةِ، الملعونُ بالخيانةِ والكَذِبِ، المطعونُ آلافَ المرّاتِ في القلبِ والظّهرِ، وفي الأعناقِ المقطوعة؟
أكتبُ لك أيّها القارئ رفيقًا أو غريبًا عن لغةِ الضاد، لأقول:
-
أوّلًا، للطيّبين: النصرُ الأخيرُ لكم. فالقلبُ النقيّ هو الذي سيجذبُ إلينا عالمَ النّورِ والعدلِ في الأرضِ والسّماء.
-
ثانيًا، السّلامُ كما الحياةُ هو نعمةٌ سماويّة أُعطِيت لكلّ إنسانٍ: للمفكّرِ والأعمى، للمحاربِ والمخادِعِ، للمُسالِمِ والمؤدلجِ.
جاءَ السّلامُ وحلّ في أرضِنا، وحملَ خطايا العالمِ، وصُلبَ عنّا، وطُعنَ قلبُهُ بحربةٍ. ومن رذاذِ هذا القلبِ المطعونِ، جرى ماءٌ ودمٌ، لا من صنْعِ الرّغبةِ الإنسانيّة، بل كهديةٍ إلهيّةٍ مقدّسةٍ لشفاءِ العالم.
أكتبُ وأجاهدُ وأُجاهرُ من أجلِ السّلامِ الآتي:
سلامُ السّماء للودَعَاءِ، للأنقياءِ، للذين سيُدعَون أبناءَ الله.
سلامٌ يهبِطُ على الأرضِ حتّى نصير كلَّنا ورثةَ الملكوت.
* الخوري الدكتور نبيل مونّس مؤسّس اللجنة اللاهوتيّة للسّلام في لبنان
Comments