bah الصراع الأميركي-الإيراني في لبنان - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الصراع الأميركي-الإيراني في لبنان

08/20/2025 - 23:56 PM

Prestige Jewelry

 

 

 

 

 

 

واشنطن - مسعود معلوف

 

تضمن خطاب القسم الذي ألقاه العماد جوزاف عون إثر انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية في التاسع من كانون الثاني/يناير من هذا العام كلاماً صريحاً حول مسألة حصرية السلاح لدى الدولة، كما تضمن البيان الوزاري الذي وافق عليه الوزراء ونالت على أساسه حكومة الرئيس نواف سلام ثقة المجلس النيابي بأكثرية ساحقة بتاريخ 19 شباط/فبراير عبارات واضحة في الإتجاه نفسه، وانطلاقاً من هذه المواقف، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً في الثامن من شهر آب/أوغسطس الجاري يقضي بتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة لتحقيق هذا الهدف قبل نهاية هذا الشهر على أن يتم تنفيذ هذه الخطة قبل نهاية السنة الجارية.

مع أن نواب حزب الله وحركة أمل صوتوا لانتخاب الرئيس عون ووافقوا على البيان الوزاري، إلا أنهم انسحبوا من اجتماع مجلس الوزراء عند اتخاذ قرار تكليف الجيش اللبناني بإعداد الخطة المذكورة أعلاه احتجاجاً على هذا القرار، كما حصلت تحركات في مناطق متعددة من لبنان من قبل ما يعرف بالثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل، تعبيراً عن الرفض لقرار الحكومة.

يحاول عدد من المراقبين تفسير مواقف الثنائي الشيعي المتناقضة في هذا المجال، فيربطونها بما حصل ويحصل خارج الأراضي اللبنانية، إذ يعتقدون أنه، بعد التغيير الجذري الذي تم في سوريا واستلام نظام حكم جديد في دمشق معادٍ لإيران، وبعد الأعمال العسكرية التي قامت بها إسرائيل في اليمن ضد الحوثيين حلفاء إيران، انشغلت هذه الأخيرة بهذه الأمور المستجدة، ولم تتخذ في ذلك الوقت أية مواقف سلبية يمكن أن يتبناها حزب الله وحركة أمل لا في الإنتخابات الرئاسية، ولاعند تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام أو عند إقرار البيان الوزاري.

ولكن إيران، في الفترة اللاحقة، وبعد الهجمات التي تعرضت لها منشآتها النووية من قبل إسرائيل ثم الولايات المتحدة، اتخذت مواقف واضحة وعلنية ضد مسألة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ربما انتقاما لما قام به الطيران الإسرائيلي والأميركي ضدها. وبحسب بعض المراقبين، فإن هذه المواقف الإيرانية هي التي حملت الثنائي الشيعي على رفض قرارات الحكومة اللبنانية في موضوع السلاح، وعلى القيام بتحركات مناهضة للحكومة في الشارع. ويفسر المراقبون هذا التحرك على أنه رسالة إيرانية غير مباشرة الى الولايات المتحدة وإسرائيل بأن إيران ما زالت موجودة وقوية، وأن حلفاءها في لبنان ما زالوا يؤيدونها تأييداً تاماً ويدعمونها بلا حدود.

ومما زاد في تعقيد الموقف والتشدد لدى الثنائي الشيعي ضد القرار الحكومي، بالإضافة الى الموقف الإيراني، باعتقاد البعض، كان التوصيف الدعائي بأن قرار الحكومة اللبنانية جاء انصياعاً لضغوط أميركية وإسرائيلية لتجريد حزب الله من سلاحه، لدرجة أن بعض القادة في حزب الله يتهمون علنا كل من يطالب بتسليم سلاح الحزب للدولة اللبنانية بأنه صهيوني وعميل إسرائيلي.

معروف أن الأولوية الأولى للولايات المتحدة في سياستها الشرق أوسطية هي إسرائيل دون منازع، وأن وزارة الخارجية الأميركية تعتبر حزب الله منظمة إرهابية منذ العام 1997 وهي تسعى الى هزيمته بشتى الطرق، ولذلك لا عجب إن كانت الولايات المتحدة دعمت أسرائيل بدون حدود في حربها الأخيرة ضد الحزب، وبعد ذلك في خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار آلاف المرات دون أي احتجاج على ذلك.

ولكن، من جهة ثانية، إذا كان قسم لا بأس به من اللبنانيين يؤيدون أن يكون الجيش اللبناني هو الوحيد الذي ينبغي أن يكون لديه السلاح، وأن يكون قرار الحرب والسلم بيد الحكومة وحدها وهي مؤلفة من جميع مكونات المجتمع اللبناني، فهل هذا يعني بالضرورة ان يكون هذا القسم من الشعب اللبناني عميلاً صهيونياً وأن يكون قرار الحكومة انصياعا للولايات المتحدة ولإسرائيل؟

سمعنا مسؤولين إيرانيين كباراً يعربون عن تأييدهم الواضح والعلني لحزب الله ضد الحكومة اللبنانية، وهم يروجون في الوقت نفسه بأن الحكومة ستفشل في مسعاها الى حصر السلاح بيد الجيش، وفي ذلك رسالة واضحة جداً الى الولايات المتحدة بأن حزب الله باقٍ ومستمر في تشكيل تحدٍ كبير لحليفها الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن توجيه التهديد تلو الآخر للبنان بضرورة "تجريد" حزب الله من السلاح وإلا فإن إسرائيل بنفسها ستتولى هذه المهمة.

رأينا كذلك كيف أن الولايات المتحدة تقربت من النظام الجديد في سوريا بالرغم من كونه مؤلفاً من فصائل كانت، لفترة خلت، معتبرة منظمات إرهابية معادية للغرب وللأميركيين بصورة خاصة. ولكن بمجرد اتخاذ النظام السوري الجديد موقفاً معادياً لإيران، اعترفت به الولايات المتحدة وبدأت برفع العقوبات تدريجاً عن سوريا، وإعادة فتح السفارة الأميركية في دمشق، والقيام باستثمارات ملموسة.

 

والآن، وبعد هذا التغيير الكبير في سوريا، أصبح لبنان، بوجود حزب الله، الموقع الأخير لامتداد إيران في المنطقة، الى جانب الحوثيين في اليمن الذين لم يعودوا يشكلون تهديداً مباشراً للولايات المتحدة التي عقدت معهم مؤخراً اتفاقأ لوقف إطلاق النار.

بعد أن قام حزب الله بما أسماه "حرب الإسناد لغزة" بسبب الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل على القطاع في السابع من تشرين الأول/أوكتوبر 2023، شنت إسرائيل هجمات جوية وبرية دمرت بموجبها قواعد الحزب في الجنوب وفي مناطق أخرى من لبنان، كما دمرت عشرات وعشرات القرى بكاملها، وهجرت مئات الآلاف من السكان، وألحقت بالإقتصاد اللبناني خسائر كبرى، الى أن توصلت الى اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان وافق عليه الحزب وإن لم يكن لمصلحته. ولكن اسرائيل، بعد كل الخراب والقتل والتدمير، استمرت في خرق وقف اطلاق النار مدعية انها تقصف مراكز لحزب الله وتقتل عناصر منه.

نظراً لعدم تمكن الحزب من إيقاف الهجمات الإسرائيلية والتدمير المستمر للقرى وللبنى التحتية، ونظراً الى ان قسما غير قليل من اللبنانيين يتهمون الحزب بأنه اتخذ قرار محاربة إسرائيل دون الرجوع الى الحكومة، فإنهم يصرون على عدم تكرار مثل هذه الأمور من قبل الحزب، تجنيبا لمزيد من الدمار والخراب الذي تستطيع إسرائيل تحقيقه دون رادع. وهم لا يصدقون التهديدات التي يطلقها مسؤولو الحزب وإيران ضد إسرائيل إذ يرون في تجربة الأشهر القليلة الماضية في إيران وفي لبنان تأكيداً لقناعتهم هذه.

لا يمكن لأحد أن ينكر أن الولايات المتحدة تحاول الضغط على إيران عبر ما تبقى من أذرعها في المنطقة الا وهو حزب الله. وإيران تحاول، بواسطة هذا الحزب، الدفاع عن نفسها من الهجمات الأميركية والإسرائيلية عليها، وبالنتيجة فإن لبنان أصبح الساحة التي تحصل فيها كل هذه التجاذبات الخطرة.

فاللبنانيون، بصورة عامة، لا يريدون أن يكون بلدهم ساحة لتبادل الرسائل العسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة ثانية، وهم يرون أن وجود السلاح لدى حزب الله وقراراته الأحادية بشن الحرب في المنطقة ستؤدي الى تدمير لبنان وعزله عن العالم دون أن يدافع عنه أحد، خاصة وأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ومعظم الدول العربية تؤكد مقاطعتها للبنان، وعدم دعمه بأي شكل من الأشكال، إذا لم يتم حل هذه المعضلة التي يقع حلها على عاتق اللبنانيين أنفسهم.

 

 

واضح جداً ان نتنياهو يهمه استمرار الحرب من أجل بقائه في الحكم وعدم الذهاب الى السجن بتهمة الفساد. فعلى اللبنانيين سحب الذرائع التي تستعملها إسرائيل لشن المزيد من الهجمات المدمرة على لبنان، وذلك عبر تطبيق قرار الحكومة بحصرية السلاح لدى الجيش، وأن يكون قرار الحرب والسلم بيد الحكومة التي لحزب الله وحركة أمل وجود فاعل فيها.

يبقى الطريقة التي ستتبعها الحكومة وسائر مكونات المجتمع اللبناني لمعالجة هذا الوضع. فمقاربة الموضوع ينبغي أن لا تكون عبر "تجريد" حزب الله من سلاحه أو "نزع السلاح" منه، إذ لا يجوزأن يسعى اي فريق من اللبنانيين الى هزيمة الحزب. بيئة الحزب هي بصورة عامة الطائفة الشيعية الكريمة التي تشكل أحد أهم مكونات المجتمع اللبناني، وينبغي أن تلعب دورها الهام في القرارات الكبرى التي تتخذها الحكومة اللبنانية، دون أن تنفرد باتخاذ قرارات خارج الحكومة من شأنها أن تؤثر سلباً على الآخرين. لذلك على الحزب التأكيد الآن انه، رغم تحالفه القوي مع إيران، هو حزب لبناني بحت، يهمه مصلحة لبنان قبل أية مصلحة أخرى، ولن يعطي نتتنياهو ذريعة لتدمير البلد، وتحقيق ما يسميه "الشرق الأوسط الجديد". هذا مع العلم أن نتنياهو يسعى الى القيام بذلك للتباهي أمام الإسرائيليين انه حماهم ودافع عنهم عبر القضاء على حزب الله، وفي حال نفذ نتنياهو مخططه، فلن يدافع أحد عن لبنان، ولن يساهم أحد في إعادة إعمار البلد، وستزداد الإنقسامات الداخلية، وربما أكثر من ذلك، لا سمح الله.

 

* سفير متقاعد

 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment