bah قراءة في رواية «لا تقولي إنك خائفة» لجوزِبِّه كاتوتْسِيلّا - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

قراءة في رواية «لا تقولي إنك خائفة» لجوزِبِّه كاتوتْسِيلّا

08/22/2025 - 22:49 PM

Bt adv

 

 

 

كتبت الدكتورة علياء إبراهيم

هناك قصص لا تتركك بعد أن تطوي صفحاتها. تأبى أن تغادر ذاكرتك، كأنها لم تكن مجرد حكاية قرأتها، بل تجربة عشتها بكل تفاصيلها. فمثلا جاءت رواية «لا تقولي إنك خائفة» للكاتب الإيطالي جوزِبِّه كاتوتْسِيلّا، بترجمة معاوية عبد المجيد، والصادرة عام 2014، والتي حازت على العديد من الجوائز الأدبية القيمة، واحدة من تلك الروايات التي تنقش مكانها في الوجدان .

كان عنوان الرواية «لا تقولي إنك خائفة» وحده كافيًا ليستفز داخلي سؤالًا عميقًا: أي خوف هذا الذي يُطلب من الإنسان ألا يعترف به؟

استمعت إلى هذه الرواية عبر الهاتف ذات يوم في مطار، وسط زحام المسافرين وصدى الإعلانات المتكررة، فإذا بي أنسلّ من صالة الانتظار إلى عالم آخر: عالم بطلة الرواية- سامية يوسف عمر- العدّاءة الصومالية التي حلمت بأن تحمل علم وطنها في الأولمبياد، فقررت أن تركض في وجه الخوف، او كما عبرت بقولها:

"كنت أركض لأني كنت أؤمن أن الركض سيجعلني حرة، كان الهواء يدخل إلى رئتي ويمنحني شعورًا بأنني أملك هذا العالم ولو للحظة."

في شوارع العاصمة مقديشو،

تصحبك سامية -عزيزي القارئ- وهي تركض خفية عن أعين من يرفضون أن تحلم فتاة. كل شيء كان ضدها: الجوع، الحرب، التطرف، حتى صديق طفولتها الذي ابتلعته يد الإرهاب، فإذا به يتحول من شريك حلمها إلى قاتل والدها، الذي ظلّ صدى وصيته يرافقها: «لا تقولي إنك خائفة».

تجعلك أحداث الرواية -عزيزي القارئ- تلهث مع سامية تحت شمس مقديشو الحارقة، تسمع أنفاسها المتقطعة وهي تعاند القيود. كانت تقول: "لم أكن أركض لأربح السباقات فقط، كنت أركض لأثبت للعالم أنني قادرة على أن أكون حرة، حتى وإن كانوا قد ربطوا قدمي بسلاسل الخوف."

لكن الحلم في بلادها لم يكن ترفًا، بل خيارًا صعبًا، كأن المرء إمّا أن يحلم أو يموت ببطء، وكما عبرت هي بقولها: "في بلدي، إما أن تحلم أو تموت ببطء".

ومع تصاعد الأحداث، يتضح أن الركض لم يكن رياضة، بل مقاومة: مقاومة للجوع، للحرب، للتطرف الذي أراد أن يكمّم روحها قبل جسدها. وكان الحلم الشيء الوحيد الذي لم يستطع أحد أن يسلبه منها، وقد عبرت عن هذا بقولها: "الحلم هو الشيء الوحيد الذي لم يستطع أحد أن يأخذه مني، حتى عندما كنتُ أركض وحيدة في الليل تحت سماء بلا نجوم."

وحين ضاقت بها مقديشو، قررت أن تركض نحو الضفة الأخرى. رحلة طويلة عبر الصحراء والحدود والبحر، كأنها سباقها الأخير. في القارب الصغير الذي جمع المهاجرين، كان الخوف أكبر من الأمواج، ومع ذلك قالت: "الهروب لم يكن خيارًا، كان طوق نجاة.". لكنها لم تصل. توقفت خطواتها عند منتصف الطريق، وابتلعها البحر، ذاك البحر الذي ابتلع قبلها آلاف الحالمين بالنجاة وتلمّس سبل الحياة.

لقد جسّدت سامية حكاية وطنٍ صوماليٍّ مُمزّق، حُرم فيه الناس من أبسط حقوقهم: أن يحلموا بلا خوف، وأن يجدوا في الأمل نافذة للحياة. أو كما عبّرت سامية بقولها: "لم أكن أخاف من التعب، كنت أخاف من أن أفقد الأمل، لأن من يفقد الأمل يموت واقفًا."

ماتت سامية بطلة الرواية والحياة معًا، لكنها بقيت شهادةً وشاهدة: شهادة على قسوة واقعٍ صوماليٍّ مُمزّق، وشاهدة على أن الحلم قد يكون أسمى أهداف الحياة. حملت حلمها إلى الأولمبياد، وحمل مأساةَ رحيلها الكاتبُ عبر صفحات الرواية، لتبقى سامية حاضرة في الذاكرة.

وحين انتهيت من الاستماع إلى الرواية، ظلّت الأحداث عالقة في داخلي، ومعها سؤال مُلحّ: كم سامية أخرى في الصومال تركض الآن وحدها نحو مصير مجهول؟

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment