د. خالد زغريت
وددتُ يا صاحبي ألّا أكتب نزولاً عند رغبتك.. وإيفاء بوعدي ألا أكتب كلاماً لا يُقرأ إلا ما بين سطوره وكي يعاتبني البعض أنّ الذي بين السطور يشبهه أكثر مما تشبهه نفسه.
لقد حرت كثيراً، فإن كتبت عن عنزة شرنة ادعت إحداهن وهي ذات أفخاذ تاريخية في التربية أن وصف تلك العنزة يطابق مواصفاتها القياسية بالتمام والكمال. وإن كتبت عن عصفور مكسور الجناح، ادعى أحدهم وهو شيخ قبيلة يحمل فوق أكتافه " ركوة قهوة مرّة" أنني أدعو له بكسر الجناح، فهاج عنترة وهرب من الثور لأنه لا يعرف أنه عنترة، أشيخ الغفلة فهجم على الثور لأنه لا يعرف أن في عباءته ينام الحسّ الأمني ولا نامت أعين المخابرات.
حتى حين كتبت عن الكلاب الشاردة، احتج أحدهم وهو مسؤول بمرتب شرف في الفساد الأكاديمي، أن اسم خالته يبدأ بحرف الشين ولذا فهو مقصود، على أنه في الحقيقة بينه وبين الكلاب الشاردة أربعون وجهاً لشبه.
أما حين كتبت عن لحية "غيفارا"، احتج كل الشيوخ الذين استبدلهم السلطان بأعمدة قصوره، وسموني صندوق الفتنة الوطنية. لذا يا صاحبي وحفاظاً على هيبة الأمة التي تأكل ما تعافه الكلاب من قمامة الحضارة الأممية، سأكتب يومياتنا البهيجة التي لعلها لا تحتمل التأويل، إذن: كيف حالك؟ كيف أولادك؟ ماذا أفطرت؟ ماذا تغديت ؟ ماذا تعشيت؟
ما الأحلام التي كنت تود أن تراها في نومك؟ وتخفيها عن عيون عسس الوطن ؟، أو تلك التي لا تود أن تحلمها لأنها تثير الفتنة السلطانية، أو تلك التي بين بين وهي تحض على الفوضى السرّاقة؟
تُرى هل اشتريتَ جوارب جديدة ؟ إياك أن تنسى أن رُجْل الوطن محمرة من البرد، وهي ترفس التاريخ.
أما زلتَ تتغنّى بحكمتك المفضلة أن بعض الأصدقاء الحزبيين كالجوارب، بهجتها فقط أول مرة واحدة تلبسها.... هل حلقتَ شَعْرك اليوم أم غداً، ما نوع الشفرة التي حلقت بها ؟ هل تستخدم لشق اللحمة الوطنية، ترى هل وضعت" مَيْشاً"، تذكر " العنزة إذا عملت لن تصير غزالة".
كيف الجو عندك؟ هل المناخ موات للريح الوطنية ؟ فالرفاق متأهبون يمتطون ظلالهم ليغزوا أعداء الوطن.. كم الساعة معك ؟ أما وقفت ساعة التاريخ عند إنجازات السلطان.
أسألك فلا تسألني: هل الرغيف عندك دائري؟ أم هو مدور مثل عندنا؟
ما لون السماء عندك زرقاء مثل سماء وطننا؟ وطننا أول زرقة في التاريخ، والعرب أول من اخترع زرقة السماء، والعرب هم أهدوا الحبر إلى سيدنا إدريس عليه السلام ليكتب صحفه الأولى.
أم أن السماء عندكم مثل عندنا حلّ لونها وتلاشى لكثر ة ما غسلت السماء عيونها بالدمع لتتأكد أنها فوق بشر ما أسماء جيرانك؟ هل تشبه أسماؤهم أسماء المتمردين على السلطان.؟
ما أسماء الذين يمشون الآن في الشارع؟ هل أحد منهم قال: لا لبيعة ولي الأمر والعمر؟
ما عدد حروف الألف في صحيح البخاري؟ هل حفظت أحاديث طاعة ولي الأمر معجمة، وغير معجمة؟؟
وكم عدد الأوراق الصفراء التي سقطت في هذا الخريف في بلادكم، إياك أن تطابق عدد زوجات حاكم أمرنا، أم أكثر من عدد منتخبيه بالدم.
ما عدد الشعرات في لحية "تولستوي" بالتأكيد أقل من أفرع المخابرات عندنا.
وما عدد الراقصات في الأمة الإسلامية، بالطبع لا تضاهي عدد المحللين السياسيين في بلاط ظله العالي. وبالتأكيد جميعهم خضعوا لدورات مهارية في تحليل البول الحكومي.
ما عدد حبّات الرمل في الربع الخالي؟ يقيناً أقل موتى محاسن مولانا، وعلينا فرضاً وطاعة أن نذكر محاسن موتنا، فلا محاسن لنا إلا موتانا.
أتعتقد يا صاحبي أن جدران السجون الوطنية تذكر من مرّ بها نحو قبره؟ إذن اذكرْ لي أسماء المسلمين في أندونيسيا؟؟ بالتأكيد سيبايعونا مولانا أليس المسلمون أخوة إذا ترشح منهم فرد تداعى له سائر المسلمين بالتصفيق والبيعة كأنك مللتَ من أسئلتي أم عجزت عن الإجابة.
هذا دليل قاطع على أنك مغرض، وناقص وطنية، وناقص الوطنية في عرف العرب ناقص عمر والسجن أوجب له.
Comments