الاعلامي كريم حداد
في تطور يعيد إلى الأذهان أزمات تاريخية سابقة، يواجه لبنان اليوم تحدياً جديداً مع رفض حزب الله تسليم سلاحه، رغم الاتفاقات الدولية والقرارات الحكومية الأخيرة التي تهدف إلى حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. هذا الرفض يأتي في سياق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته الحكومة اللبنانية مع إسرائيل في أواخر 2024، برعاية أمريكية وفرنسية، ووسط غياب رئيس جمهورية في ذلك الحين.
يعود جذور الصراع الحالي إلى أحداث تاريخية عميقة. في عام 1982، شنت إسرائيل اجتياحاً عسكرياً واسعاً على لبنان، وصل إلى احتلال العاصمة بيروت، بهدف طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الجنوب اللبناني ولبنان ككل. كان الهدف الثاني للاجتياح توقيع معاهدة سلام مع لبنان، ما أدى إلى اتفاق 17 أيار 1983 برعاية أمريكية. ومع ذلك، رفض الرئيس أمين الجميل التوقيع على الاتفاق بعد إضافة إسرائيل ورقة إضافية غير مقبولة، رغم موافقة الحكومة ومجلس النواب عليه. في النهاية، ألغى الجميل الاتفاق، وشهد لبنان فترة من الاضطرابات السياسية والأمنية التي لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم.
في سياق أحدث، اندلعت “حرب الإسناد” التي خاضها حزب الله دعماً لفلسطين، بدءاً من 8 تشرين الأول 2023، وامتدت حتى 27 تشرين الثاني 2024. خلال هذه الحرب، شنت إسرائيل هجوماً كبيراً على الجنوب اللبناني، الضاحية الجنوبية لبيروت، ومناطق البقاع، مما أسفر عن تصفية معظم القيادات في الصفوف الأولى والثانية لحزب الله، بما في ذلك الأمين العام حسن نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين.
في أعقاب ذلك، أبرمت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي اتفاقاً مع إسرائيل، برعاية أمريكية وفرنسية، تولى التفاوض فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري، نظراً لغياب رئيس الجمهورية. ينص الاتفاق على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، مع تولي الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية وحدها مسؤولية الأمن، وتسليم حزب الله سلاحه إلى الدولة، إلى جانب حل جميع الميليشيات المسلحة. وافق حزب الله على الاتفاق في حينه لوقف إطلاق النار، مما سمح بتهدئة نسبية.
ومع ذلك، شهدت الأشهر الأخيرة تحولاً دراماتيكياً. بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، اتخذت الحكومة قراراً تاريخياً في 5 و7 آب 2025، يؤكد حصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية وبسط السلطة على كامل الأراضي. بدأ تنفيذ هذا القرار مع تسليم السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات، في خطوة اعتبرتها مصادر رسمية “بداية لاستعادة السيادة الكاملة”. غير أن حزب الله رفض تسليم سلاحه، مما أثار مخاوف من تصعيد داخلي.
في هذا السياق، طلبت الحكومة اللبنانية من قيادة الجيش اللبناني تقديم خطة مفصلة لتنفيذ هذه القرارات، وسيتم الاطلاع عليها خلال جلسة مجلس الوزراء المقررة في 5 أيلول المقبل. مصادر مطلعة أكدت أن الخطة ستشمل آليات لجمع السلاح وتعزيز دور الجيش في المناطق الحساسة، مع التركيز على الحفاظ على الاستقرار الداخلي. ومع ذلك، يبقى الرفض من قبل حزب الله مصدر توتر، حيث يرى مراقبون أنه قد يعيد لبنان إلى دوامة الصراعات السابقة، مشابهة لما حدث بعد اتفاق 17 أيار.
في الوقت الراهن، يشهد لبنان وجوداً دولياً متزايداً، مع دعم أمريكي وفرنسي للاتفاق، ودعوات من الأمم المتحدة لاحترام السيادة اللبنانية. يظل السؤال المركزي: هل سيتمكن لبنان من تجاوز هذه العقبة نحو بناء دولة قوية وموحدة، أم أن الرفض سيؤدي إلى مزيد من التوترات؟ الإجابة قد تكشف عنها الأيام المقبلة، مع اقتراب جلسة مجلس الوزراء
Comments