bah مرحلة مفصلية وتحديات وجودية: لولا الحكمة السياسية لزال لبنان - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

مرحلة مفصلية وتحديات وجودية: لولا الحكمة السياسية لزال لبنان

09/07/2025 - 18:44 PM

Bt adv

 

 

 

بقلم ناجي علي أمهز *

يُقال "اللبيب من الإشارة يفهم"، بيد أن تعقيدات المرحلة الراهنة تستدعي تحليلاً معمقاً وتفكيكاً دقيقاً للمسارات الإقليمية والدولية المتشابكة، خصوصاً في ظل التحديات الوجودية التي تواجه لبنان والمنطقة بأسرها. إن ما يجري اليوم ليس مجرد جولة صراع عابرة، بل هو تحول بنيوي يعيد تشكيل خرائط النفوذ ويحدد مصائر الأمم.

منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" وتصاعد وتيرة الحرب على غزة، وصلت الرسائل الاستراتيجية بوضوح إلى الأطراف الإقليمية والدولية. وقد كان للعماد ميشال عون، في لقائه مع وفد من حزب الله في مستهل الأزمة، رؤية استشرافية عميقة عندما حذر من طبيعة هذه الحرب، مؤكداً أنها تختلف جذرياً عن سابقاتها خلال نصف القرن الماضي. نصيحته للحزب بالتروي والخروج من دائرة الإسناد المباشر لغزة لم تكن وليدة فراغ، بل نابعة من إدراكه لخطورة اللحظة. عبارته الشهيرة: "حاربت وخسرت ولكن ظل الأمل معي حتى نلنا السيادة والحرية والاستقلال... واليوم ممكن أن أحترق منهم قسم، إن شاء الله لا"، تختزل بُعد نظر سياسي يرى ما وراء الأفق المنظور.

المشهد الإقليمي والدولي بات يشي بأن مشروعاً جيوسياسياً كبيراً يجري تنفيذه، ومن يقف في وجهه سيتعرض لعواقب وخيمة. اغتيال القيادي الفلسطيني البارز إسماعيل هنية في إيران، لم يكن مجرد حادث عابر، بل رسالة واضحة لا لبس فيها، مفادها أن الاستهداف سيطال كل من يعترض هذا المشروع، حتى لو أدى ذلك إلى تأجيج الصراع الإقليمي.

ولعل استهداف قامة بحجم السيد حسن نصر allah، الذي يُعتبر رأس الحربة في محور المقاومة، واستشهاده جراء قصف مكثف بأكثر من 83 طناً من المتفجرات، هو تأكيد آخر على مدى جدية هذا المخطط وارتفاع سقف الاستهداف. ولا يقتصر الأمر على القيادات الفصائلية، بل يمتد ليشمل دولاً وقامات إقليمية كبرى. فإيران، التي تُعد قوة عسكرية واقتصادية وسياسية لا يُستهان بها، شهدت محاولات لاغتيال سماحة الإمام السيد علي الخامنئي، إضافة إلى محاولة اغتيال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والتي اصيب بسببها، مما يؤكد أن الاستهداف لا يفرق بين مستوى وآخر.

إننا نتحدث هنا عن دول وقيادات وفصائل مقاومة تمتلك خبرة وتمرساً واستعدادات وتحصينات لمواجهة حروب كبرى. فماذا عن الدول العربية، التي غالباً ما تفتقر إلى استقلال القرار وتعتمد على مستشارين أجانب في مفاصلها الحيوية؟ هذه الأنظمة لا تملك رفاهية الاعتراض، بل هي رهينة حسابات إقليمية ودولية معقدة. اغتيال الرئيس المصري أنور السادات والملك فيصل، وما تعرض له رؤساء عرب آخرون، يشير إلى أن مصير الرفض قد يكون التصفية المباشرة لا مجرد خلاف دبلوماسي.

في هذا السياق، لا يمكن تحميل قادة مثل محمود عباس، الذي يفتقر إلى القدرة على التحصين أو الدفاع، مسؤولية رفض قرارات دولية قد تعني تصفية فورية. وينطبق هذا الأمر على مجمل القيادات العربية. حتى الرئيس بشار الأسد، تلقى رسالة واضحة من الروس مفادها "إما البقاء والقتل في قصرك، أو المضي معنا في تسوية"، ففضل الانسحاب. هذا يفسر الصمت المطبق للرئيس المصري السيسي، والعجز المطلق للرئيس السوري أحمد الشرع بعد قصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع في سوريا، وعدم صدور أي إدانة حقيقية منه.

الموقف الأردني، بقيادة الملك عبدالله، يبدو الأقوى نسبياً، لا لقوة ذاتية بالمعنى التقليدي، بل لوجود حماية دولية تفرضها شبكة علاقات معقدة، لكنها لا تعني حصانة مطلقة في حال تجاوز الخطوط الحمراء. أما بقية الدول العربية، فلا تجرؤ حتى على إعلان موقف سياسي أو إنساني داعم لغزة، خشية العقاب السريع الذي قد يتجاوز الاغتيال إلى ما هو أشد وطأة، مستغلة أمريكا وإسرائيل ما تمتلكانه من معلومات عن غالبية هذه القيادات.

في سياق متصل، أعلن المبعوث الأمريكي توم باراك صراحة ودون مواربة أن "إسرائيل لم تعد تعترف بحدود سايكس بيكو". هذا التصريح ليس مجرد زلة لسان، بل هو إعلان عن ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لنسف هذه الحدود التاريخية التي مضى على قيامها مائة عام بالضبط منذ عام 1923. تدمير غزة، وتدمير جزء كبير من الجنوب اللبناني، واحتلال أجزاء من سوريا، كلها مقدمات لما هو قادم على المنطقة. هل تساءلتم عن الغاية من دعوة الكيان الإسرائيلي وسائل الإعلام لتصوير تدمير أكبر الأبراج في غزة وتسويتها بالأرض؟

ربما لم تتساءلوا، وربما لا ترغبون في معرفة الحقيقة أو سماعها.

أمام هذه الوقائع، هل يعقل أن قيادات الحكم في لبنان هي ضد سلاح الحزب أو ضد الشيعة؟ أم أن الموضوع أكبر من الجميع؟ هل يعقل أن هناك خلافاً جوهرياً في وجهات النظر بين الرئيس نبيه بري والرئيسين العماد جوزاف عون والقاضي نواف سلام، فيما يتعلق بالورقة الأمريكية المطروحة؟

لنفترض أن الرئيس نبيه بري، وهو رأس الهرم السياسي والمقاوم الشيعي، رفض الورقة الأمريكية، وتحدى القوى الكبرى كما يدعو بعض الإعلاميين "التافهين". فما الذي سيحدث حينها يا "جهابذة العصر" و"المحللين الاستراتيجيين"؟

أولاً، ستفرض عقوبات قاسية على الرئيس بري وعائلته وحركة أمل وكل من يدور في فلكها، وسيتم وضعه على لوائح دولية. وقد يتم حل البرلمان اللبناني أو منع حضور بقية النواب. فالرئيس بري ليس بأكبر أو أهم من بوتين الذي فُرضت عليه العقوبات وحُجزت أمواله وأموال روسيا الاتحادية. وثانياً، قد يتعرض الرئيس بري للاغتيال، لا سمح الله، فالذي اغتال السيد نصر allah، وحاول اغتيال السيد الخامنئي والرئيس الإيراني، وقتل أكثر من 200 ألف إنسان، لن يتورع عن استهداف قيادات لبنانية تعارضه.

وفي حال رفض الورقة الأمريكية، ستشن إسرائيل حرباً واسعة على الجنوب، وتهجر من عادوا إليه مؤخراً. كما سيُطلب من أحمد الشرع اجتياح البقاع، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة آلاف القتلى السوريين، فقد خسر الآلاف في هجومه على السويداء. وربما خلال أيام، تعلن طرابلس انضمامها إلى سوريا، وهكذا، في غضون أيام أو أسابيع قليلة، لن يبقى من لبنان إلا جبل لبنان، وماذا سيتسع جبل لبنان من مهجرين؟ هذا ولم نتحدث عن تدخل أمريكي مباشر في الحرب، ربما بقصف الضاحية بالطائرات والصواريخ، أو انفلات النازحين السوريين المتواجدين بين المناطق التي يعرفونها أكثر من اللبنانيين أنفسهم.

حينها، في حال اندلعت الحرب، من سيكون قادراً على التواصل مع من؟ ومن يستطيع التفاوض مع من؟ حتى القرار 1701 وهو كل ما تبقى يتم اليوم الاستفادة منه الى اقصى الحدود.

وكما يقول بعض الإعلاميين السذج الذين تُصفق لهم الطائفة الشيعية، سينطلق يومياً من لبنان مئات الصواريخ على إسرائيل. وخير إن شاء الله، فإيران أطلقت مئات الصواريخ، وبالختام ماذا حصل؟ وماذا سيبقى بعد إطلاق الصواريخ؟ وكيف سيتم فرض المعادلة السياسية، ومن هو الذي سيتحدث فيها أو يحصد نتائجها؟ ماذا سيبقى من الطائفة الشيعية؟

أو يأتيك أحدهم ليقول: "سنجلب شيعة من العراق ونسكنهم في لبنان". هل هذا كلام معقول أو منطقي ومن اين سيمرون عبر سوريا او البحر او الطائرات السياحية؟ وآخر يقول سيكون هناك 600 ألف مقاتل، لا أعرف إن كان يقصد 600 ألف قتيل، والشيعة يصفقون له. هذا جنون!

ما أكتبه ليس لتغيير قناعاتكم، بل لأقول لكم شيئاً واحداً: الحمد لله أن القيادات الشيعية لديها هذا الصبر والحكمة، وإلا لكنا في عداد الماضي. ما أريده وأتمناه منكم هو أن نصمت قليلاً، ونرفع أيدينا بالدعاء، ونترك بعض الذين يعملون بهدوء ليعملوا. لا أحد قادر على تغيير المعادلات الكبرى، لكن كما قال سماحة الشيخ نعيم قاسم: "وقف الحرب هو بحد ذاته انتصار"، نعم انتصار، وقد استخدم في أدق توقيت وأصعب الظروف.

الرجاء توقفوا عن استفزاز الآخرين، فلسنا في وضع يُحسد عليه. الشيعة مستهدفون، نعم مستهدفون، لأسباب يعرفها الجميع، وهي أنهم ضد هذا المشروع الكبير منذ انطلاقته. لذلك، دول القرار تتربص بهم.

أعرف أن هذا الكلام لن يعجب أحدهم يجلس في قرية نائية وأمامه كوب شاي، أو محلل استراتيجي كان يقضي سهرته في مقهى أو مطعم، ولعلعت في رأسه فكرة. الأمور مختلفة جداً. دعونا نعمل بصمت. الذين يعملون خلف الستائر هم اليوم من يديرون الزوايا ويقللون الخسائر إلى حدها الأدنى، وربما تكون المكاسب السياسية مرتفعة. وفي الختام، نحن أمام حرب عالمية ثالثة بضوابط معينة، لكن لا يعني أن نتائجها ستكون مختلفة عن الحرب العالمية الأولى والثانية. هناك متغيرات علينا تجاوزها بالحكمة والعقل.

احبكم جميعا اكثر من نفسي ويشهد الله على ما اقوله.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment