د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
نشأت منظمة شنغهاي للتعاون في 15 يونيو 2001 على يد الصين، روسيا، كازخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، كنسخة موسعة من مجموعة شنغهاي الخمسة 1996، التي هدفت لحل القضايا الحدودية.
لم تهتم الولايات المتحدة كثيرا بأهمية منظمة شنغهاي بسبب أن ناتج الصين لم يكن يمثل أكثر من 1.3 تريليون دولار، بينما كان ناتج الولايات المتحدة لنفس العام 11 تريليون دولار، ارتفع ناتج الصين إلى 3.5 تريليون دولار عام 2007 يساوي ناتج ألمانيا، كذلك ارتفع ناتج الولايات المتحدة إلى 14.5 تريليون دولار، وفي عام 2025 من المتوقع أن يصبح ناتج الصين 20 تريليون دولار يعتبر قفزة كبيرة جدا، كذلك هناك قفزة كبيرة في ناتج الولايات المتحدة إلى نحو 30 تريليون دولار وألمانيا نحو 4.9 تريليون دولار، وحسب التوقعات فإن في عام 2050 ستكون الصين أكبر اقتصاد في العالم بنحو 58 تريليون دولار ثم الهند بنحو 44 تريليون دولار ثم الولايات المتحدة ب34 تريليون دولار.
عندما شعرت الولايات المتحدة أن الصين لم تتفوق اقتصاديا فحسب بل اكتسبت أرضية عسكرية، ففي عهد بايدن اتجه نحو محاصرة الصين بتحالفات وشراكات مع الحلفاء في آسيا وأوروبا، بجانب تعزيز الصناعة المحلية الأمريكية من خلال قانون الاستثمار في البنية التحتية، وخصص تريليوني دولار لدعم الاستثمارات في الطاقة النظيفة، وتصنيع أشباه الموصلات، وتشكيل جبهة موحدة مع الحلفاء بشأن الضوابط التكنولوجية ضد الصين.
نتج عن تلك الخطوات اتساع الفجوة في الحجم النسبي بين الاقتصاد الأمريكي والصيني في اتجاه أمريكا، كما ارتفعت أسواق الأسهم الأمريكية نحو 54% وفق مؤسسة ستاندرد أند 500، فيما انخفض مؤشر شنغهاي سنتتشن CSI 300 الصيني إلى أكثر من 30%، إلى جانب قيادة بايدن تحالف كواد بين استراليا والهند واليابان مع الولايات المتحدة.
ووفق نظرية جون التي تعتبر الاتحاد السوفيتي مثالا كلاسيكيا لاستراتيجية دامت لاحتوائه وحققت نتائج، وأيضا رؤية جان مونيه لمستقبل أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية في إخماد الحروب وتعزيز ظهور الاتحاد الأوروبي، فيما ترمب استخدم سلطة الولايات المتحدة في تهديد الجميع بسببها خسر الهند كحليف لصالح شنغهاي.
الولايات المتحدة بين النزعة الانعزالية والنزعة العولمية، فمنذ الرئيس وودرو ويلسون أعلن عن المبادئ الأربعة عشر عام 1918 بشأن النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الأولى أبرزها النزعة العولمية منها انشاء عصبة الأمم المتحدة لكن الكونغرس رفض الانضمام إلى عصبة الأمم المتحدة، أي ميلا نحو الانعزالية لأنهم يعتبرون بعدهم عن المحيطات يوفر لهم مستوى عال من الأمن الذاتي خصوصا مستثمرين حجم الولايات المتحدة الجغرافي الكبير وكذلك سوقها المحلي ضخم، ما يدور في عهد ترمب فك ارتباط أمريكا بالتحالف الغربي، وإنهاء رؤيتها لدور كحامية للنظام العالمي وموقف مؤيد لروسيا.
قمة شنغهاي تستثمر توجه ترمب نحو عزل أمريكا إلى التوجه نحو رسم ملامح نظام عالمي جديد يمثل الولادة الثانية بعد مرور نحو ربع قرن على انطلاقتها الأولى، خصوصا بعدما شكل انتقال الهند إلى المعسكر المناهض للغرب الحدث الأبرز، اعتمدت المجموعة استراتيجية التنمية حتى 2035 تضم أكثر من نصف سكان العالم، وربع الإنتاج العالمي، قررت الصين التحول نحو مواجهة التهديدات الجديدة التي تطول أمن أعضاء الدول، وتشكيل نظام حوكمة عالمي أكثر عدالة وعقلانية.
قمة شنغهاي تقوض الرهان الأمريكي على إحداث شرخ بين الصين وروسيا، أو استخدام أمريكا التقارب مع موسكو ضد الصين إشارة إلى قمة الأسكا، ما يعني أن قمة شنغهاي وفرت للمجتمع الدولي نموذجا جديدا للحكم يختلف عن منظمة الهيمنة في مجموعة السبع التي يحتفظ بوضعية التسلسل الهرمي، ما جعل الغرب يعتبر منظمة شنغهاي اجتماع المناهضون للغرب حول الزعيم الصيني.
*أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى بمكة سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments